واستصحبنا من بر صقلية أزيد من مائتي ميل ، ثم ترددنا بحذائه بسبب سكون الريح. فلما كان عصر يوم الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور أقلعنا من الموضع الذي كنا أرسينا فيه ، وفارقنا البر المذكور أول تلك الليلة. وأصبحنا يوم السبت وبيننا وبينه مسافة بعيدة ، وظهر لنا إذ ذاك الجبل الذي كان فيه البركان (١). وهو جبل عظيم مصعد في جو السماء ، قد كساه الثلج. وأعلمنا أنه يظهر في البحر مع الصحو على أزيد من مسيرة مئة ميل. فأخذنا ملججين وأقرب ما نؤمله من البر إلينا جزيرة أقريطش (٢) وهي من جزائر الروم ، ونظرها إلى صاحب القسطنطينية ، وبينها وبين جزيرة صقلية مسيرة سبعمائة ميل ، والله كفيل بالتيسير والتسهيل بمنّه. وفي طول هذه الجزيرة ، جزيرة أقريطش المذكورة ، نحو من ثلاثمائة ميل.
وفي ليلة الثلاثاء الخامس والعشرين من الشهر المذكور ، وهو الثاني والعشرون من شهر مارس ، حاذينا البر المذكور تقديرا لا عيانا. وفي صبيحة اليوم المذكور فارقناه متوجهين لقصدنا. وبين هذه الجزيرة المذكورة وبين الإسكندرية ستمائة ميل أو نحوها.
وفي صبيحة يوم الأربعاء السادس والعشرين منه ظهر لنا البر الكبير المتصل بالإسكندرية المعروف ببر الغرب ، وحاذينا منه موضعا يعرف بجزائر الحمّام ، على ما ذكر لنا ، وبينه وبين الإسكندرية نحو الأربعمائة ميل ، على ما ذكر لنا ، فأخذنا في السير والبر المذكور منا يمينا.
بشرى بالسلامة
وفي صبيحة يوم السبت التاسع والعشرين من الشهر المذكور أطلع الله علينا البشرى بالسلامة بظهور منار الإسكندرية على نحو العشرين ميلا ، والحمد لله على ذلك حمدا يقتضي المزيد من فضله وكريم صنعه. وفي آخر الساعة الخامسة منه كان
__________________
(١) بركان جبل إننا.
(٢) أقريطش : جزيرة كريت.