إرساؤنا بمرسى البلد ، ونزولنا إثر ذلك ، والله المستعان فيما بقي بمنّه. فكانت إقامتنا على متن البحر ثلاثين يوما ، ونزلنا في الحادي والثلاثين ، لأن ركوبنا إياه كان يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر شوال ، ونزولنا عنه في يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة ، وبموافقة السادس.
والعشرين من مارس ، والحمد لله على ما من به من التيسير والتسهيل ، وهو سبحانه المسؤول بتتميم النعمة علينا ببلوغ الغرض من المقصود ، وتعجيل الإياب إلى الوطن على خير وعافية ، إنه المنعم بذلك لا رب سواه. وكان نزولنا بها بفندق يعرف بفندق الصفار بمقربة من الصّبانة.
شهر ذي الحجة
من السنة المذكورة
أوله يوم الأحد ، ثاني يوم نزولنا بالإسكندرية. فمن أول ما شاهدنا فيها يوم نزولنا أن طلع أمناء المركب من قبل السلطان بها لتقييد جميع ما جلب فيه. فاستحضر جميع من كان فيه من المسلمين واحدا واحدا وكتبت أسماؤهم وصفاتهم وأسماء بلادهم ، وسئل كل واحد عما لديه من سلع أو ناض (١) ليؤدي زكاة ذلك كله ، دون أن يبحث عما حال عليه الحول من ذلك أو ما لم يحل. وكان أكثرهم متشخصين لأداء الفريضة لم يستصحبوا سوى زاد لطريقهم ، فلزّموا أداء زكاة ذلك دون أن يسأل أحال عليه الحول أم لا.
واستنزل أحمد بن حسان منا ليسأل عن أنباء المغرب وسلع المركب. فطيف به مرقبا على السلطان أولا ، ثم على القاضي ، ثم على أهل الديوان ، ثم على جماعة من حاشية السلطان. وفي كلّ يستفهم ثم يقيد قوله ، فخلي سبيله ، وأمر المسلمون بتنزيل أسبابهم وما فضل من أزودتهم. وعلى ساحل البحر أعوان يتوكلون بهم وبحمل جميع ما أنزلوه إلى الديوان. فاستدعوا واحدا واحدا ، وأحضر ما لكل واحد من الأسباب ،
__________________
(١) الناض (بتشديد الضاد) : المال النقدي من دراهم ودنانير.