يعترض فيه. فاهتبل صلاح الدين في بلادهم الغرة ، وانتهز الفرصة ، وقصد قصدها عن الطريق القاصدة ، فدهم مدينة نابلوس وهجمها بعسكره ، فاستولى عليها ، وسبى كل من فيها ، وأخذ إليها حصونا وضياعا. وامتلأت أيدي المسلمين سبيا لا يحصى عدده من الإفرنج ، ومن فرقة من اليهود تعرف بالسمرة منسوبة إلى السامري. وانبسط فيهم القتل الذريع ، وحصل المسلمون منها على غنائم يضيق الحصر عنها ، ما اكتفت من الأمتعة والذخائر والأسباب والأثاث ، إلى النعم والكراع ، إلى غير ذلك. وكان من فعل هذا السلطان الموفق أن أطلق أيدي المسلمين على جميع ما احتازته ، وسلم لهم ذلك ، فاحتازت كل يد ما حوت وامتلأت غنى ويسارا. وعفى الجيش على رسوم تلك الجهات التي مرعليها من بلاد الفرنج ، وآبوا غانمين فائزين بالسلامة والغنيمة والإياب ، وتخلصوا من أسرى المسلمين عددا كثيرا ، وكانت غزوة لم يسمع مثلها في البلاد.
وخرجنا نحن من دمشق وأوائل المسلمين قد طرقوا بالغنائم كل بما احتواه وحصلت يده عليه ، وكان مبلغ السبي آلافا لم نتحقق إحصاءها ، ولحق السلطان بدمشق يوم السبت بعدنا الأقرب ليوم انفصالنا وأعلمنا أنه يجم عسكره قليلا ويعود إلى الحصن المذكور ، فالله يعينه ويفتح عليه بعزته وقدرته. وخرجنا نحن إلى بلاد الفرنج وسبيهم يدخل بلاد المسلمين ، وناهيك من هذا الاعتدال في السياسة! فان مبيتنا ليلة الجمعة بدارية ، وهي قرية من دمشق على مقدار فرسخ ونصف ثم رحلنا منها صبيحة يوم الجمعة بعده إلى قرية تعرف ببيت جن ، هي بين جبال ، ثم رحلنا منها صبيحة يوم السبت إلى مدينة بانياس ، واعترضنا في نصف الطريق شجرة بلوط عظيمة الجرم متسعة التدويح ، أعلمنا أنها تعرف بشجرة الميزان ، فسألنا عن ذلك ، فقيل لنا : هي حد بين الأمن والخوف في هذه الطريق لحرامية الإفرنج ، وهم الحوسة والقطاع ، من أخذوه وراءها إلى جهة بلاد المسلمين ولو بباع أو شبر أسر ، ومن أخذ دونها إلى جهة بلاد الافرنج بقدر ذلك أطلق سبيله ، لهم في ذلك عهد يوفون به ، وهو من أظرف الارتباطات الافرنجية وأغربها.