ذكر مدينة بانياس
حماها الله تعالى
هذه المدينة ثغر بلاد المسلمين ، وهي صغيرة ، ولها قلعة يستدير بها تحت السور نهر ويفضي إلى أحد أبواب المدينة ، وله مصب تحت أرحاء. وكانت بيد الإفرنج فاسترجعها نور الدين ، رحمه الله. ولها محرث واسع في بطحاء متصلة يشرف عليها حصن للإفرنج يسمى هونين ، بينه وبين بانياس مقدار ثلاثة فراسخ. وعمالة تلك البطحاء بين الإفرنج والمسلمين ، لهم في ذلك حد يعرف بحد المقاسمة ، فهم يتشاطرون الغلة على استواء ، ومواشيهم مختلطة ، ولا حيف يجري بينهما فيها. فرحلنا عنها عشي يوم السبت المذكور إلى قرية تعرف بالمسية بمقربة من حصن الإفرنج المذكور فكان مبيتنا بها. ثم رحلنا منها يوم الأحد سحرا ، واجتزنا في طريقنا بين هونين وتبنين بواد ملتف الشجر ، وأكثر شجره الرند ، بعيد العمق كأنه الخندق السحيق المهوى ، تلتقي حافتاه ، ويتعلق بالسماء أعلاه ، يعرف بالأسطيل ، لو ولجته العساكر لغابت فيه ، لا منجى ولا مجال لسالكه عن يد الطالب فيه ، المهبط إليه والمطلع عنه عقبتان كؤودان ، فعجبنا من أمر ذلك المكان. فأجزناه ومشينا عنه يسيرا وانتهينا إلى حصن كبير من حصون الإفرنج يعرف بتبنين ، وهو موضع تمكيس القوافل ، وصاحبته خنزيرة تعرف بالملكة ، وهي أم الملك الخنزير صاحب عكة ، دمرها الله. فكان مبيتنا أسفل ذلك الحصن ، ومكس الناس تمكيسا غير مستقصى ، والضريبة فيه دينار وقيراط من الدنانير الصورية على الرأس ، ولا اعتراض على التجار فيه لأنهم يقصدون موضع الملك الملعون ، وهو محل التعشير ، والضريبة فيه قيراط من الدينار ، والدينار أربعة وعشرون قيراطا.
وأكثر المعترضين في هذا المكس المغاربة ، ولا اعتراض على غيرهم من جميع بلاد المسلمين ، وذلك لمقدمة منهم أحفظت الإفرنج عليهم ، سببها أن طائفة من أنجادهم غزت مع نور الدين ، رحمه الله ، أحد الحصون ، فكان لهم في أخذه غنى ظهر واشتهر ، فجازاهم الإفرنج بهذه الضريبة المكسية ألزموها رؤوسهم. فكل مغربي يزن على رأسه