الدينار المذكور في اختلافه على بلادهم. وقال الإفرنج : إن هولاء المغاربة كانوا يختلفون على بلادنا ونسألهم ولا نرزأهم شيئا ، فلما تعرضوا لحربنا وتألبوا مع إخوانهم المسلمين علينا ، وجب أن نضع هذه الضريبة عليهم. فللمغاربة في أداء هذا المكس سبب من الذكر الجميل في نكايتهم العدو يسهله عليهم ، ويخفف عنتهم عنهم.
ورحلنا من تبنين ، دمرها الله ، سحر يوم الاثنين ، وطريقنا كله على ضياع متصلة وعمائر منتظمة ، سكانها كلها مسلمون ، وهم مع الإفرنج على حالة ترفيه ، نعوذ بالله من الفتنة. وذلك أنهم يؤدون لهم نصف الغلة عند أوان ضمها ، وجزية على كل رأس دينار وخمسة قراريط ولا يعترضونهم في غير ذلك. ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة يؤدونها أيضا. ومساكنهم بأيديهم وجميع أحوالهم متروكة لهم. وكل ما بأيدي الإفرنج من المدن بساحل الشام على هذه السبيل : رساتيقهم (١) كلها للمسلمين ، وهي القرى والضياع ، وقد أشربت الفتنة قلوب أكثرهم لما يبصرون عليه إخوانهم من أهل الرساتيق المسلمين وعمالهم ، لأنهم على ضد أحوالهم من الترفيه والرفق. وهذه من الفجائع الطارئة على المسلمين : أن يشتكي الصنف الإسلامي جور صنفه المالك له ، ويحمد سيرة ضده وعدوه المالك له من الافرنج ، ويأنس بعدله ، فإلى الله المشتكى من هذه الحال ، وحسبنا تعزية وتسلية ما جاء في الكتاب العزيز : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ)(٢).
فنزلنا يوم الاثنين المذكور بضيعة من ضياع عكة ، على مقدار فرسخ ، ورئيسها الناظر فيها من المسلمين مقدم من جهة الافرنج على من فيها من عمارها من المسلمين. فأضاف جميع أهل القافلة ضيافة حفيلة وأحضرهم صغيرا وكبيرا في غرفة متسعة بمنزله وأنالهم ألوانا من الطعام قدمها لهم ، فعمهم بتكرمته. وكنا فيمن حضر هذه الدعوة.
وبتنا تلك الليلة وصبحنا يوم الثلاثاء العاشر من الشهر المذكور ، وهو الثامن عشر
__________________
(١) الرساتيق : جمع رستق ورستاق (أصلها الفارسي : رزدق ورزداق) وهي القرى وما يحيط بها من الأراضي.
(٢) سورة الأعراف : ١٥٥.