والنوائب. ونحن منها في مثل ليل صول طولا ، فأصبحنا لم نكد. فكان من الاتفاقات الموحشة أن أبصرنا بر إقريطش عن يسارنا ، وجباله قد قامت أمامنا ، وكنا قد خلفناه عن يميننا ، فأسقطتنا الريح عن مجرانا ، ونحن نظن أنا قد جزناه. فسقط في أيدينا ، وخالفنا المجرى المعهود الميمون ، وهو أن يكون البر المذكور منا يمينا ، في استقبال صقيلة. فاستسلمنا للقدر ، وتجرعنا غصص هذا الكدر ، وقلنا :
سيكون الذي قضي |
|
سخط العبد أو رضي (١) |
وفي أثناء ذلك انبسطت الشمس ، ولان البحر قليلا ، وصمعنا نروم أخذ مرسى في البر المذكور إلى أن يقضي الله قضاءه وينفذ حكمه ، ولكل سفر أوان ، وسفر البحر إنما هو في إبانه ، والمعهود من زمانه ، لا أن يعتسف في فصول أشهر الشتاء اعتسافنا له ، والأمر لله من قبل ومن بعد فالحذر الحذر ، من ركوب مثل هذا الخطر ، وإن كان المحذور لا يغني عن المقدور شيئا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم إن الريح ساعدت عند استقبالنا البر بعض مساعدة ، فانصرفنا عنه وتركناه يمينا وعدنا إلى قريب من المجرى المقصود ، وجرينا بعض ليلة الثلاثاء الثالث عشر منه ، وقد تم لنا على ظهر المركب أربعة وثلاثون يوما ، والشرع مصلبة ، وهو عندهم أعدل جري لأنه لا يكون إلا بالريح التي تتلقى مؤخر المركب في مجراه ، فأصبحنا يوم الثلاثاء المذكور على مثل تلك الحال ، وساعدت الريح ، ففرحنا وسررنا ، وطلعت علينا مراكب قاصدة مقصدنا فاستبشرنا بها وعلمنا أنا على مجرى مقصود ، ولله الحمد والشكر على كل حال من الأحوال.
ثم انقلبت الريح غربية ، وهبت عاصفا ، فألجأتنا اضطرارا بعد أن جرت لنا بعض ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء إلى مرسى من مراسي جزائر الرمانية ، وهو رأس الجزيرة ، ومنه إلى الأرض الكبيرة مجاز فيه الاثنا عشر ميلا. فأصبحنا به يوم الخميس الخامس عشر لشعبان المكرم ، والثاني والعشرين لنونبر ، فحمدنا الله عزّ وجل على ما من به من السلامة. وتوافت بعدنا إلى ذلك المرسى خمسة مراكب ، منها اثنان كانا قد أقلعا من بر
__________________
(١) هذا البيت من شعر أبي العتاهية.