جزائر قد قامت جبالا مرتفعة : على مقربة من بر الجزيرة اثنتان منها ، تخرج منهما النار دائما ، وأبصرنا الدخان صاعدا منهما ، ويظهر بالليل نارا حمراء ذات ألسن تصعد في الجو ، وهو البركان المشهور خبره. وأعلمنا أن خروجها من منافس في الجبلين المذكورين ، يصعد منها نفس ناري بقوة شديدة تكون عنه النار ، وربما قذف فيها الحجر الكبير فتلقي به في الساعة إلى الهواء لقوة ذلك النفس ، وتمنعه من الاستقرار والانتهاء إلى القعر. وهذا من أعجب المسموعات الصحيحة.
وأما الجبل الشامخ الذي بالجزيرة ، المعروف بجبل النار ، فشأنه أيضا عجيب ، وذلك أن نارا تخرج منه في بعض السنين كالسيل العرم ، فلا تمر بشيء الا أحرقته حتى تنتهي إلى البحر فتركب ثبجه على صفحة حتى تغوص فيه ، فسبحان المبدع في عجائب مخلوقاته ، لا إله سواه. إلى أن حللنا عشي يوم الأربعاء ، بعد يوم الثلاثاء المؤرخ ، مرسى مدينة شفلودي ، وبينها وبين مسينة مجرى ونصف مجرى.
ذكر مدينة شفلودي من جزيرة صقلية
أعادها الله تعالى
هي مدينة ساحلية كثيرة الخصب ، واسعة المرافق ، ومنتظمة أشجار الأعناب وغيرها ، مرتبة الأسواق ، تسكنها طائفة من المسلمين ، وعليها قنة جبل واسعة مستديرة ، فيها قلعة لم ير أمنع منها اتخذوها عدة لأسطول يفجؤهم من جهة البحر ، من جهة المسلمين ، نصرهم الله. وكان إقلاعنا منها نصف الليل ، فجئنا مدينة ثرمة ضحوة يوم الخميس بسير رويد. وبين المدينتين خمسة وعشرون ميلا ، فانتقلنا فيها من ذلك الزورق إلى زروق ثان اكتريناه لكون البحريين الذين صحبونا فيه من أهلها.
ذكر مدينة ثرمة من الجزيرة المذكورة
فتحها الله
هي أحسن وضعا من التي تقدم ذكرها ، وهي حصينة ، تركب البحر وتشرف