عراة ، إلا خرقا يسترون بها عوراتهم ، وأكثرهم لا يسترون. وبالجملة ، فهم أمة لا أخلاق لهم ، ولا جناح على لا عنهم.
مغادرة عيذاب
وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين لربيع الأول المذكور ، وهو الثامن عشر من يوليه ، ركبنا الجلبة للعبور إلى جدة. فأقمنا يومنا ذلك بالمرسى لركود الريح ومغيب النواتية. فلما كان صبيحة يوم الثلاثاء ، أقلعنا على بركة الله ، عز وجل ، وحسن عونه المأمول. فكانت مدة المقام بعيذاب ، حاشا يوم الاثنين المذكور ، ثلاثة وعشرين يوما محتسبة عند الله ، عز وجل ، لشظف العيش وسوء الحال واختلال الصحة لعدم الأغذية الموافقة. وحسبك من بلد ، كل شيء فيه مجلوب حتى الماء ، والعطش أشهى إلى النفس منه. فأقمنا بين هواء يذيب الأجسام وماء يشغل المعدة عن اشتهاء الطعام ، فما ظلم من غني عن هذه البلدة بقوله :
«ماء زعاق وجو كله لهب»
فالحلول بها من أعظم المكاره التي حف بها السبيل إلى البيت العتيق ، زاده الله تشريفا وتكريما ، وأعظم أجور الحجاج على ما يكابدونه ، ولا سيما في تلك البلدة الملعونة. ومما لهج الناس بذكره قبائحها ، حتى يزعموا أن سليمان بن داود ، على نبينا وعليه السلام ، كان اتخذها سجنا للعفارتة ، أراح الله الحجاج منها بعمارة السبيل القاصدة إلى بيته الحرام ، وهي السبيل التي من مصر على عقبة أيلة إلى المدينة المقدسة.وهي مسافة قريبة يكون البحر منها يمينا ، وجبل الطور المعظم يسارا ، لكن للإفرنج بمقربة منها حصنا مندوبا يمنع الناس من سلوكه ، والله ينصر دينه ويعز كلمته بمنّه.
فتمادى سيرنا في البحر يوم الثلاثاء السادس والعشرين لربيع الأول المذكور ويوم الأربعاء بعده بريح فاترة المهب. فلما كان العشاء الآخرة من ليلة الخميس ونحن قد استبشرنا برؤية الطير المحلقة من بر الحجاز ، لمع برق من جهة البر المذكور ، وهي جهة الشرق ، ثم نشأ نوء أظلم له الأفق إلى أن كسا الآفاق كلها ، وهبت ريح شديدة صرفت