المركب عن طريقه راجعا وراءه ، وتمادى عصوف الرياح واشتدت حلكة الظلمة وعمت الآفاق ، فلم ندر الجهة المقصودة منها ، إلى أن ظهر بعض النجوم فاستدل بها بعض الاستدلال وحط القلع إلى أسفل الدقل ، وهو الصاري.
وأقمنا ليلتنا تلك في هول يؤذن باليأس ، وأرانا بحر فرعون بعض أهواله الموصوفة ، إلى أن أتى الله بالفرج مقترنا مع الصباح ، فلان قياد الريح وأقشع الغيم وأصحت السماء ، ولاح لنا بر الحجاز على بعد لا نبصر منه إلا بعض جباله ، وهي شرق من جدة ، زعم ربان المركب وهو الرّائس ، أن بين تلك الجبال التي لاحت لنا وبر جدة يومين ، والله يسهل لنا كل صعب وييسر لنا كل عسير بعزته وكرمه. فجرينا يومنا ذلك ، وهو يوم الخميس المذكور ، بريح رخاء طيبة ، ثم أرسينا عشية في جزيرة صغيرة في البحر على مقربة من البر المذكور بعد أن لقينا شعابا كثيرة ، يكثر فيها الماء ويضحل علينا ، فتخللنا أثناءها على حذر وتحفظ.
وكان الربان بصيرا حاذقا فيها ، فخلصنا الله منها ، حتى أرسينا بالجزيرة المذكورة ، ونزلنا إليها وبتنا بها ليلة الجمعة التاسع والعشرين لربيع الأول المذكور ، وأصبح الهواء راكدا والريح غير متنفسة إلا من الجهة التي لا توافقنا فأقمنا بها يوم الجمعة المذكور.فلما كان يوم السبت الموفي ثلاثين تنفست الريح بعض التنفس ، فأقلعنا بذلك النفس ، نسير سيرا رويدا. وسكن البحر حتى خيل لناظره صحن زجاج أزرق. فأقمنا على تلك الحال نرجو لطيف صنع الله عز وجل. وهذه الجزيرة تعرف بجزيرة عائقة السفن ، فعصمنا الله عز وجل من فأل اسمها المذموم ، وله الحمد والشكر على ذلك.
شهر ربيع الآخر
عرفنا الله بركته
استهل هلاله ليلة السبت ونحن بالجزيرة المذكورة ولم يظهر تلك الليلة للأبصار بسبب النوء لكن ظهر في الليلة الثانية كبيرا مرتفعا ، فتحققنا إهلاله ليلة السبت المذكور ، وهو الثالث والعشرون من شهر يوليه ، وفي عشي يوم الأحد ثانية أرسينا