نهب الحجاج
وأكثر أهل هذه الجهات الحجازية وسواها فرق وشيع لا دين لهم قد تفرقوا على مذاهب شتى. وهم يعتقدون في الحاج ما لا يعتقد في أهل الذمة ، قد صيروهم من أعظم غلاتهم التي يستغلونها ، ينتهبونهم انتهابا ، ويسببون لاستجلاب ما بأيديهم استجلابا. فالحاج معهم لا يزال في غرامة ومؤونة إلى أن ييسر الله رجوعه إلى وطنه.ولو لا ما تلافى الله به المسلمين في هذه الجهات بصلاح الدين ، لكانوا من الظلم في أمر لا ينادى وليده ولا يلين شديده. فإنه رفع ضرائب المكوس عن الحاج ، وجعل عوض ذلك مالا وطعاما يأمر بتوصيلهما إلى مكثر أمير مكة ، فمتى أبطأت عنهم تلك الوظيفة المترتبة لهم عاد هذا الأمير إلى ترويع الحاج وإظهار تثقيفهم بسبب المكوس. واتفق لنا من ذلك أن وصلنا جدة ، فأمسكنا بها خلال ما خوطب مكثر الأمير المذكور. فورد أمره أن يضمن الحاج بعضهم بعضا ويدخلوا حرم الله ، فإن ورد المال والطعام اللذان برسمه من قبل صلاح الدين ، وإلا فهو لا يترك ماله قبل الحاج. هذا لفظه ، كأن حرم الله ميراث بيده ، محلل له اكتراؤه من الحاج. فسبحان مغير السنن ومبدلها.
والذي جعل له صلاح الدين ، بدلا من مكس الحاج ، ألفا دينار اثنان ، وألفا إردب (١) من القمح ، وهو نحو الثمانمائة قفيز (٢) بالكيل الإشبيلي عندنا ، حاشا إقطاعات أقطعها بصعيد مصر وبجهة اليمن لهم بهذا الرسم المذكور. ولو لا مغيب هذا السلطان العادل صلاح الدين بجهة الشام ، في حروب له هناك مع الإفرنج ، لما صدر عن هذا الأمير المذكور ما صدر في جهة الحاج. فأحق بلاد الله بأن يطهرها السيف ويغسل أرجاسها وأدناسها بالدماء المسفوكة في سبيل الله هذه البلاد الحجازية ، لما هم عليه من حل عرى الإسلام ، واستحلال أموال الحاج ودمائهم.
فمن يعتقد من فقهاء أهل الأندلس إسقاط هذه الفريضة عنهم فاعتقاده صحيح ، لهذا السبب وبما يصنع بالحاج مما لا يرتضيه الله ، عزّ وجل. فراكب هذا السبيل راكب
__________________
(١) الإردب : مكيال كبير يساوي ٢٤ صاعا.
(٢) القفيز مكيال يعادل جزءا صغيرا من الصاع.