نحو ثلاثين درجة محكمة البناء متقنة الوصف واسعة المشي منها يستقي أهل المدينة كلهم لشربهم.
قال أبو سالم والذي رأيت منها ثلاثة مواضع أحدها شرقي المسجد بينه وبين باب البقيع في المكان المسمى الآن بالحارة (١) والآخر خارج باب السلام في الناحية الغربية عند سوق المدينة بالبلاط والآخر شامي المسجد بعيدا منه إلى ناحية باب الشامي وأما خارج المدينة فأخرجت في محال متعددة أيضا ثم لم تزل تقرب من وجه الأرض قليلا كما انحدرت في أرض المدينة إلى أن خرجت على وجه الأرض قريبا من الغابة شرقي مسجد رومة بينه وبين أحد وعليها هنالك مزارع وقد رأيت جدولا منها قريبا من مسجد الراية في طرف ذباب يهبط إليه في نحو ثلاث درج وهذه العين المباركة من أغزر العيون وأحلاها ماء وألذه بها جل انتفاع أهل المدينة ومنها كل السبيلات الموقوفة بالمدينة ومنها تملأ الدوارق التي توضع في الحرم الشريف للشرب وهي لا تكاد تحصى كثرة فما أعظم بركتها وأوسع نفعها ولقد شاهدت من يستشفي بمائها فيشفى وقد حملنا بعض مائها للاستشفاء ولله در القائل :
لئن قيل في زرق العيون شئامة |
|
فعندي أن اليمن في عينها الزرقا |
وتسميتها بالعين الزرقاء من لحن العامة وصوابه عين الأزرق لأن مروان الذي أجراها لمعاوية كان أزرق العينين فلقب بالأزرق وكان أجراؤها لهذه العين بأمر معاوية لما ولاه المدينة وكان لمعاوية رضي الله عنه اهتمام بذلك فأجرة في المدينة وما حولها عيونا كثيرة قد دثرت كلها ولم يبق إلا هذه العين المباركة وقد اعتني بشأنها من قبل السلطنة فلها أوقاف معلومة وجرايات تأتي من عند السلطان ولها أمير معلوم وله خدام يتفقدون أحوالها على ممر الأزمنة ويصلحون ما وهي منها ولو لا ذلك لدثرت
__________________
(١) في الرحلة العياشية الحرّة.