روحانيته عليه الصلاة والسلام فامتزجت بقوالبنا وظهر نوره صلى الله عليه وسلم على الأجباح ، فناط متمكنا منا بعلم الأرواح ، فغاب منا عالم الصفات في محو صفاته صلى الله عليه وسلم فاستعقب ذلك سريان آثار اللهوت ، فتمكن في المحل الذي هو الناسوت ، فلم يبق لوجود الخلق أثار لأن سطوة الحق لا يبقى معها غيره إذ كل شيء ما خلا الله باطل.
ولذلك طبقات الطبقة الأولى مشاهدة الأفعال والثانية مشاهدة الصفات والثالثة مشاهدة الذات فمن شاهد من الحق تجلي الأفعال اضمحلت أفعاله لأفعاله وكذا من تجلي الحق [عليه بأوصافه اضمحلت أوصافه لأوصافه ومثله تجلى الذات فمن تجلى الحق عليه](١) أيضا بذاته اضمحلت ذاته فلم يبق لسواه أثر فهذا مقام المحو والفناء لأن الكون كله ظلمة فمن لم يشاهد الحق فيه أو معه أو قبله فقد أعوزه وجود الأنوار ، وغابت عليه شمس المعارف في كنه الكون من غير قرار ، فالحق سبحانه لا يثبت معه شيء فالوجود وجود واحد بل جميع الموجودات متحدة فلا أصل لها بل هي مستمدة من عين الوجود وبالجملة صاحب المحو يغيب فعله في فعله ووصفه في وصفه وذاته في ذاته تبارك وتعالى فإذا قوي عليه حال الشهود نسبت إليه شطحات حتى ينطق عن حاله ، وعن قوة شهوده وإثبات اتصاله ، ومحو انفصاله ، برعود الهيبة والجلال فيقول في حضرة الحق والكمال وعالم الأمر وهو قوله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فتتجرد الروح عن مادة الاستعداد فيقول صاحب الشطحات أنا الحق لكونه مغلوبا في حاله ، ومضطرا في مقاله ، فتكون الشريعة قائمة عليه وعلى منواله ، فإن العارف بالله تعالى يقول رامزا لهذا المقام أعني ابن مالك ما نصه :
وذو ارتفاع وانفصال أنا هو |
|
وأنت والفروع لا تشتبه |
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط في نسخة.