وتأخر علي بن أبي طالب بعدهما بمكة ثلاثة أيام ، حتى أدى ما كان عند النبي صلىاللهعليهوسلم من الودايع لأربابها ، ثم لحقه بقباء.
واستمر النبي صلىاللهعليهوسلم في بني عمرو بن عوف ، ثم انتقل إلى المدينة بعد أن أسس مسجد قباء ، وصلى الجمعة في طريقه بمسجد بني سالم الذي في الوادي ، بعد أن خطبهم فيه ، والقبلة إذ ذاك لبيت المقدس ، إلى أن حولت.
ونزل بالمدينة حيث بركت ناقته باختيارها قائلا «إنها مأمورة» عند محل مسجده الشريف الذي أمر ببنائه بعد ، وهو يومئذ مصلى الرجال من المسلمين ، ومربد لغلامين من بني مالك بن النجار وحمل أبو أيوب الأنصاري رحله إلى داره ، وهو ـ فيما قيل ـ من ذرية الحبر الذي أسلمه تبع الأول كتابه الذي فيه أنه بناه لما مر بالمدينة للنبي صلىاللهعليهوسلم لينزله إذا قدمها فتداوله الملاك إلى أن صار لأبي أيوب ، وحينئذ فما نزل صلىاللهعليهوسلم إلا في بيت نفسه ، وكرر قوله : «اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين» وصارت الهدايا من الطعام تحمل إليه.
وكان أول ما سمع منه صلىاللهعليهوسلم «أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام».
ثم تحول منه ، وأمر ببناء المسجد. ثم بنى مساكنه بجانبه ، وآخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمواساة.
وقدم عليه ابنتاه : فاطمة وأم كلثوم ، وزوجته سودة ، وأسامة بن زيد ، وأمه بركة أم أيمن ، مع زيد بن حارثة وأبي رافع ، وكان أرسل إليهم بهما ، ومعهما بعيران وخمسمائة درهم.
وقدم على أبي بكر عياله مع ابنه عبد الله ، ثم المهاجرون إلى المدينة.
ودام بالمدينة ـ التي أضاء منها ـ بعد قدومه صلىاللهعليهوسلم كل شيء ، وزال عنها الوباء ، ونقل حماها إلى الجحفة ، وأكرمت بمنع دخول الدجال والطاعنون لها بعد الهجرة عشر سنين.
كان في الأولى التي ابتدأ التاريخ منها ، وافتتح بالمحرم غزوة الأبواء ، وهي غزوة ودان ، وجعلت صلاة الحضر أربع ركعات بعد ركعتين ، وشرع الأذان ، وبني بعائشة في شوالها.
وفي الثانية : غزوة بواط ، ثم بدر الأولى ، ثم ذي العشيرة ، ثم بدر الكبري وهي البطشة التي أعز الله بها الإسلام ، وأهلك بها رؤوس الكفرة اللئام ـ يوم الجمعة لسبع عشرة خلون من رمضان ـ ثم غزوة بني قينقاع ، ثم السويتي ، ثم قرقرة الكدر. وصرفت القبلة إلى الكعبة ، بعد أن كانت لبيت المقدس ، وفرض صوم رمضان وزكاة الفطر ، بل الزكاة ، وصلى