توجهت لبيان أحوال أهل «طيبة» المشار إليها ، والمخصوصة بالمزيد من الفضائل المنبه عليها ، لأحوز بركة المرتفع منهم وأفوز بتنزل الرحمة حيث ذكرتهم ولم أنصرف عنهم ، خصوصا ومن أحب شيئا أكثر من ذكره ، والمرء مع حبيبه في حشره ونعيمه ونشره ، وإن لم يلحقه في عمله ، ولا رافقه في سلوكه وسبيله. وألحقت بهم من تخلف عن طريقهم ، ولم يتعرف ما أنعم الله به عليهم ، ولا تبعهم في توفيقهم ، بحيث يحمل ما نقل مما هو في أوائل تاريخ ابن عساكر عن عمرو بن العاص ، الحامد الشاكر ، حين سئل عن وصف أهل المدينة؟ فقال : «أطلب الناس لفتنة ، وأعجزهم عنها» على من لعله من هؤلاء ممن فارق الوقار والسكينة.
على أن الحجاج بن يوسف الثقفي ، سأل أبا سليمان أيوب بن زيد ابن القرية عن أهل الحجاز فأجابه بذلك بدون انحياز ، وقال عن المدينة «رسخ العلم بها وظهر منها» مما هو كذلك مع الضوء واليها ، وعن أهل مكة «رجالها علماء جفاة ونساؤها كساة عراة».
بل لم أقتصر على هؤلاء ، حيث ذكرت من قطنها من الغرباء ولو سنة ، بشرط أن يكون درس فيها أو حدّث أو أفتى بالطريقة المرضية ، والسّنة الواضحة احسنة ، ليكون الأخذ عنهم أو من كانوا في طريقة بنيانهم على بصيرة ولا يفتقر إلى المسألة عنهم ، والكشف الذي قد لا يظفر معه بتلك الذخيرة.
وقد ذكر الشمس بن صالح القائم بنشر العلم ـ مع الإرشاد بالخطب والمواعظ وبذل النصائح ـ التقي محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخنائي ، مع عدم إقامة حديقة ولو احياء ، أو بستانا ، أو أنشأ بها للمعروف مكانا.
ولم ألتزم في المعمرين فمن بعدهم ، كونهم سكنوها فضلا عن أنهم من أهلها ، بل ذكرت منهم من لم يطأ لحزنها وسهلها ، أو وطئها خدمة بزائد العزم والهمة ، كالجلال أبي الفوارس شاه شجاع ، والجواد الجمال الأصبهاني الربّاني بلا نزاع ، والسلطان السعيد النور الشهيد ، وأضرابهم ممن شغف بإسداء الإحسان إلى قاطن تربتها ، وعرف بإسبال ذيل الامتنان إلى واطئي رحبتها ، اقتداء بالمجد صاحب هذه العبارة ، واهتداء بلباس من شمله السعد بما تضمنته الإشارة ، ورجاء أن يكون كتابي بذلك مشتملا على الخصوص والعموم. وأن يصير كالبدر في التمام والبحر في الطموم. وكذا اتبعت التّقي الفاسي الحافظ لما غيره له ناسي ، في ذكر جماعة من الأمراء والملوك ممن نص فيهم على إمرة الحرمين ولو لم يكن له بواحد منها سلوك. ولكن بدون استيعاب ، لانتشارها في الذكر والخطاب والإطالة بهم للكتاب ، بل ذكرت جمعا ممن وصف بمفتي الحرمين أو قاضيهما أو شيخهما مع ما يطرق به من الاحتمال ، وتجويز ارتكاب المجاز في مجرد الوصف بذلك لفحول الرجال.