وبعد هذا كله بدهر : احترق المسجد في رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة بنزول صاعقة احترق بنارها سقفه ، وحواصله وخزائن كتبه ، وربعاته ، وهلال منارته الرئيسية ، ولم يبق من قناطره وأساطينه إلا اليسير جدا ، وصار كالتنور ، مع جماعة كثيرين من الأعيان وغيرهم ، حسبما شرحته في الحوادث ، وقال الشعراء في ذلك ، فأكثروا ، وكان من قديمه.
لم يحترق حرم النبي لريبة |
|
يخشى عليه ، وما به من عار |
لكنه أيدي الروافض لا مست |
|
تلك الرسوم فطهرت بالنار |
وفي ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة : نهب الطفيل بن منصور بن جماز المدينة حين بلغه صرفه عنها قبل مجيىء المتولي بأيام.
وفي ذي الحجة سنة ستين وثمانمائة : تسور بعض الأشراف من بني حسين لسطح الحجرة النبوية ، وسرق من قناديلها الذهب والفضة جملة ، ولم يفطن لذلك إلا في السنة التي تليها ، فاسترجع منه ما أمكن ، وصلب الفاعل وقتل آخرون.
ثم في سنة إحدى وتسعمائة : اقتحمها حسن بن زبيري أيام نيابته بها ، وكسر قبة الزيت ، وأخذ ما كان بها من نقد وقناديل ، وغير ذلك ، وكان سبقه لنظير فعله : جماز بن هبة ، فإنه ـ حين بلغه عزله في سنة إحدى عشرة وثمانمائة ـ كسر القبة ، وأخذ ما فيها من قناديل ذهب وفضة ، وثياب لتكفين الموتى ، وذلك شيء كثير إلى غيره ، ولم يلبث أن مات في التي تليها ، وكذا هجم على المدينة من أمرائها : عجلان بن نعير ، في سنة ثلاثين أواخر التي قبلها ، كما في ثابت بن نعير أخيه ، واستباحها ثلاثة أيام بمعاونة ذربان الحسيني الطفيلي. كما أعان ابنه مشاري حسنا ، مع كون والده زبيري هو القاتل لذربان ، وكذا هجم قبل ذلك في سنة أربع وعشرين : ابن عزيز بن هيازع ، أحد أمرائها ، وأخذ من الحاصل شيئا كثيرا. ورام ضيغم الاقتداء بهم ، فكفه الله ، كما سيأتي في تراجمهم ، وكذا شامان بن زهير ، خال صاحب الحجاز ، والد أمير المدينة فارس ، هجما في جمع كثير ، فكف أيضا ، بل : في زبيري أنه تعصب مع بعض الرافضة في ضرب بعض أهل السنة ، حتى مات.
وأبشع من هذا كله : الاطلاع في سنة سبع وخمسين وخمسمائة على رجلين من النصارى راما نقل من في الحجرة النبوية ، ورأى السلطان نور الدين محمود الشهيد مناما ، اقتضى له سرعة المجيء ، حتى ظهر له منهما ذلك ، فضرب أعناقهم ثم احترقا ، كما سيأتي في ترجمته ،