الشهاب أحمد الصنعاني اليماني ، وسمع عليه عبد الله بن محمد بن أبي القاسم فرحون ، وحضر عنده النجم الطوفي الحنبلي ، فتكلم معه في العلم فلم ينصفه السراج ، ثم قدم الطوفي مكة فحضر عند قاضيها النجم محمد بن الجمال محمد بن المحب أحمد بن عبد الله الطبري ، وتكلم معه في العلم فأنصفه وأكرمه ، فقال فيهما :
سراج بالمدينة ثم نجم |
|
بمكة أصبحا متناقضين |
فهذا ما علمت له بزين |
|
وهذا ما علمت له بشين |
فأطفأه المهيمن من سراج |
|
وأبقى النجم نور المشرقين |
قال ابن فرحون : هو الشيخ الإمام العلامة ، أول من أدركته من قضاتنا وأئمتنا ، وكان فقيها ، مجيدا ، أصوليا ، نحويا متفننا في علوم جمة ، حدث عن الرشيد العطار وأجاز له الشرف المرسي والمنذري ، وتفقه بالعز بن عبد السلام قليلا ثم بالشديد الترمنتي والبصير بن الطباح وأئمة وقته ، وقدم المدينة سنة اثنتي وثمانين وستمائة متوليا للخطابة ، وكان بأيدي آل سنان بن عبد الوهاب بن نميلة (الشريف الحسيني) ، وكذا كان الحكم أيضا راجعا إليهم ، لم يكن لأهل السنة خطيب ولا حاكم منهم ، والظاهر أن ذلك منذ استولى العبيديون على مصر والحجاز ، فإن الخطبة في المدينة كانت باسمهم ، فلما كان في سنة اثنتين وستين وقع قحط بمصر ، ووباء لم يسمع في الدهور مثله ، وكاد الخراب يستولي على وادي مصر حتى ذكر أن امرأة خرجت وبيدها مد جوهر لمن يأخذه بمد بر ، فلم يلتفت إليها أحد ، فألقته وقالت : لا أرى به شيئا لا ينفعني وقت الحاجة ، فلم يلتفت إليه أحد ، واشتغل العبيديون بما أصابهم من ذلك ، فحينئذ غلب الخلفاء العباسيون على الحجاز ، وأقيمت الخطبة لهم من ذلك العهد إلى يومنا ، وكان أخذ الخطابة من آل سنان في سنة اثنتين وثمانين (كما تقدم) واستمروا حكاما على حالهم ، وكان لأهل السنة إمام يصلي بهم الصلوات فقط ، وكان السلطان بعد ذلك يبعث مع الحاج شخصا يقيم لأهل السنة الخطابة والإمامة إلى نصف السنة ، ثم يأتي غيره مع الرجبية إلى ينبع ، ثم إلى المدينة ، وكل من جاء لا يقدر على الإقامة نصف سنة إلا بكلفة ومشقة ، لتسليط الإمامية من الأشراف وغيرهم عليه ، ثم خطب من بعد السراج شخص يقال له شمس الدين الحلبي ، ثم شرف الدين السنجاري ، ثم عاد السراج فخطب بالمدينة أربعين سنة ، ثم سافر لمصر ليتداوى ، فأدركه الموت بالسويس متوجها إلى مصر ، وذلك في سنة ست وعشرين ، وكان لما استقر في الخطابة عمل معه الإمامية من الأذى ما لا يصبر عليه غيره ، فصبر واحتسب ، حتى أنهم كانوا يرجمونه بالحصباء وهو يخطب على المنبر ، فلما كثر ذلك منهم تقدم الخدام وجلسوا بين يديه ، فذلك هو السبب في إقامة صف الخدام يوم الجمعة قبالة الخطيب ، وخلفهم غلمانهم