وعبيدهم ، خدمة وحماية للقضاء وتكثيرا للقلة ، ونصرا للشريعة ، وكان يصبح فيجد بابه ملطخا بالقاذورات ويتبعونه بكل أذى ، وهو صابر ، وربما عذرهم لاحتراقهم على خروج المنصب من أيديهم بعد توارثهم له ، ثم إن السراج تزوج ابنة القيشاني (رئيس الإمامية وفقيهها) بل قيل : إن لم يكن بالمدينة من يعرف مذهب الإمامية حتى جاءها القيشانيون من العراق ، وذلك أنه كان لهم مال كثير فصاروا يؤلفون به ضعفة الناس ، ويعلمونهم قواعد مذهبهم ، ولم يزالوا عى ذلك حتى ظهر مذهبهم ، وكثر المستغلون به ، وعضده الأشراف إذ ذاك ، ولم يكن أحد يجسر على كفهم ، فلما صاهرهم السارج انكف عنه الأذى قليلا ، وصار يخطب ويصلي من غير حكم ولا أمر ولا نهي ، ثم أضيف إليه القضاء ، وجاءه تقليد الناصر محمد بن قلاوون بذلك مع خلعة وألف درهم ، وكانت فيه معرفة ومداراة ، فقال : أنا لا أتولى حتى يحضر الأمير منصور بن جماز ، فأحضروه فقال له السراج : جاءني مرسوم بكذا ، وأنا لا أقبل حتى تكون أنت المولى لي ، فإنك إن لم تكن معي لم يتم أمري ولا ينفذ حكمي ، فقال له : قد رضيت وأذنت فاحكم ، ولا تغير شيئا من أحكامنا ولا حكامنا ، فاستمر الحال على ذلك يحكم بين المجاورين ، وأهل السنة ، وآل سنان يحكمون في بلادهم على جماعتهم ، ومن دعي من أهل السنة إليهم ، ولا يقدر أحد يتكلم في ذلك ، بل التقدم في الأمور لهم ، وأمر الحبس راجع إليهم ، والأعوان تختص بهم ، والإسجالات تثبت عليهم ، والسراج يستعين بأعوانهم ويحبسهم ، واستمر الحال كذلك حتى مات السراج ، وكان السراج يواسي الضعفاء ويتفقد الأرامل والأيتام ببره وزكاته ، ويقصدهم بنفسه في بيوتهم ، ولا يرد طالب قرض إذا جاء يقرض ، وكان فيه صبر عظيم واحتمال كثير حتى أن رجلا إماميا في أيامه من حلب ، كان يسكن في دار تميم الداري له نزوة ورئاسة ، كان يجلس على طريق السراج عند باب الرحمة ، فإذا دنا منه يقول له : ناصية كاذبة خاطئة ، هكذا أبدا ، وهو لا يجاوبه ولا يعد الكلام له ، حتى انتقم الله له منه ، وذلك أنه كانت له جارية كان نقم عليها شيئا فعاقبها حتى قتلها ، فبلغ ذلك الأمير منصور ، فأمسكه ودخل بيته وأخذ منه ألف دينار ، وكان قبل ولايته الحكم طوعا للمعاصرين له من أهل الصلاح ، يصلّي كما يشتهون من تطويل وتقصير وتكميل للسورة في الركعة وملازم الطيلسان ومسح جميع رأسه ، وكان إذا جلس للدرس ينتظر كبار أصحابه ، حتى كان مرارا يبعث إلى الوالد وهو في بيته ... بأن الجماعة ينتظرونه ، فيتوضأ ويصلي الصبح ثم يخرج إليه ، فيجده جالسا مع الجماعة لم يشرع في الدرس ، فلما ولي الحكم تنكرت عليهم أخلاقه ، وصار يرمي عليهم كلمات يغيظهم بها ، وإن لم يكن تحتها طائل ، فنفرت أنفسهم منه وتفرقوا عنه ، وممن كان يحضر درسه غير والدي الجمال المطري ، وجماعة المالكية والشيخ أبو عبد الله النحوي والعز يوسف الزرندي والأديب أبو البركات ، فما منهم أحد إلا نفر عنه ، وفارق