إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ) (١). فهذا الوحي النازل على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم له سابقة تأريخية بما أوحاه الله إلى نوح والأنبياء من بعد نوح ، فالقرآن إذن يبدأ حديثه عن وحي الأنبياء إعتباراً من نوح إلى نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولهذا كان نوح عليهالسلام هو المقدم في الذكر بعد آدم مباشرة ، قال تعالىٰ : ( * إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ) (٢).
وكانت رسالة نوح واضحة المعالم بالدعوة إلى التوحيد ، قال تعالىٰ : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (٣). ولم تجد رسالة نوح آذاناً واعية ، ولا أسماعاً صاغيةً ، بل كان قومه من العتاة الطغاة المتكبرين ، لذلك فقد صرح القرآن الكريم بقلة من آمن مع نوح : ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) (٤) ، وسلك العديد الأكثر طرق الضلال وعبادة الأوثان والأصنام في معزل عن الدعوة الالهية إلى التوحيد ، وتواصوا بالأبقاء على الأوثان : ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) ) (٥).
والملاحظ هنا أن أسماء هذه الأصنام أسماء عربية ، فهل كان نوح عربياً وهل كانت المنطقة عربية ، وهل ورثوها من قوم عرب ، إن لم يكونوا هم عرباً ، هذا ما يجيب عليه علماء الآثار واللغات والحفريات.
وكان قوم نوح بحيث أتعبوا نوحاً تعباً مضنياً ، فلم يستمعوا له ، ولم يستجيبوا لدعوته ، بل قابلوه بما حكاه القرآن الكريم عنه : ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (٧) ) (٦).
بل ذهبوا إلى أكثر من هذا مع سماحة النبي ، وبرّه في الدعاء ، ولين
__________________
(١) النساء : ١٦٣.
(٢) آل عمران : ٣٣.
(٣) الأعراف : ٥٩.
(٤) هود : ٤٠.
(٥) نوح : ٢٣.
(٦) نوح : ٧.