مما لا يحيط به الادراك الحسّيّ كثيراً. والذي أجمله تعالى بقوله : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (٩) ) السجدة / ٧ ـ ٩. ولنقف قليلاً عند الآية الأولى التي تتحدث عن الملحظ الإيجادي في الخلق لا على نحو المثال ، ولا على صيغة من وجود سابق ، إذ لا وجود هناك لهذا المخلوق الجديد لأنه بعد لم يوجد ، فلما وجد قيل له بأنه الانسان. قال تعالى : ( هَلْ أَتَىٰ عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (١) ) الانسان / ١. والتفسير الأولي أن الانسان جسد وروح ، أي أنه مركب من حقيقتين متغايرتين ، وحينما إتحدا كان الانسان كائناً حياً ، فإذا افترقا كان هذا الانسان نفسه ميتاً وعاد جثماناً ، وهذا وإن كان صحيحاً في حد ذاته ، ومقدماته تبني عن نتائجه ، إلا أن القرآن العظيم يومي إلى أبعد من هذا تحديداً حينما جعل الانسان حقيقة واحدة ، فهو إنسان بروحه وبدنه ، وهو أنسان حين مفارقة روحه لبدنه ، فمثله كمثل الماء والتراب حينما يكوّنان حقيقة واحدة عند التماسك أو عند الانحلال. وقوله تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) السجدة / ١١. فيه دلالة على أن الانسان هو نفس الانسان ، فإذا اتصلت الروح بجسده فهو حيٌّ ، وإذا انفصلت عنه فهو ميت ، إذن هو إنسان في الحالين ، والنص القرآني في مجموعة دلالاته « يفيد أن الروح التي يتوفاها ويأخذها قابض الأرواح هي التي يعبر عنها بلفظة « كم » وهو الانسان بتمام حقيقته لا جزء من مجموع » (١). ويصور هذا الملحظ « لم يكن شيئاً مذكوراً ». فهذا الانسان بالطريق الاعجازي في الخلق إنما كان طيناً لازباً يندك في طول هذه الأرض وعرضها ، فلم يكن ذا ذكر فهو غير متعين ولا محدد ، وهو حينما صور هذا التصوير البديع ، في خلقه الأول ، وولجته الروح بأمره تعالى ، عاد إنساناً معلوماً وموجوداً فكان مذكوراً ، فهو باللحاظ الأول شيء غير مذكور ، وهو باللحاظ الثاني كيان مذكور ، وهذا ما تفسره رواية الإمام الباقر عليهالسلام : قال : « كان مذكوراً في العلم ، ولم يكن
__________________
(١) الطباطبائي ، تفسير الميزان : ٢٠ / ١٣٩.