ظلها وهو ظل ظليل ، ذات أشجار مختلفة الثمار ، تطل على نهر قويق (١) ، وعلى بساتين مد البصر ، رفيعة المباني والعمران ، مزخرفة بسائر الألوان ، فانبسطنا ودام لنا السرور ، وحصلنا على الأفراح والحبور. وكان حفظه الله ما بين يوم ويوم يأتي لزيارتي وتحصل بيننا مذاكرات ومحاورات من سائر العلوم من منثور (٥٨ أ) ومنظوم ، فالغالب يكون الصواب معي ، وهو حفظه الله وافر الإنصاف ، مجانب الاعتساف ، حتى إنه اتفق لي معه مذاكرة في إنّ العام إذا خصص بغير إلّا هل تكون دلالته ظنية أم قطعية؟ وما الذي رجحه علماء الأصول؟ فامتد البحث بيننا ثلاثة أيام ، ووافقه على دعواه الشيخ طه الجبريني مع إقامة الدلائل من الطرفين ، والمعارضة من الجانبين ، حتى كثر الصخب ، وارتفعت الأصوات ، مع مراعاة قوانين المناظرة ، فاجتمعت به خلال اليوم الثالث ، فأول ما وقع نظره عليّ قال لي : يا سيدي إن الصواب معك ونحن مخطئون! وما كفاه هذا إلّا أنه أينما جلس عند الأكابر والأعيان يقول : جرت بيننا وبين الشيخ البغدادي مباحثة والصواب معه ونحن كنا مخطئين ، ولم يزل ينوه بذكري ، ويقول إنه شيخنا ونحن تلامذته ، فلله دره من عالم ما أكثر إنصافه وما أجزل ألطافه وإسعافه مع مداعبته وملاءمته وتفرده في حلب علما وجاها. وأضافني مرة ثانية في بيته ومعنا رفيقنا الشيخ عبد الوهّاب الموصلي الإمام بالحضرة الجرجيسية ، والشيخ طه الجبريني ، والشيخ عبد الكريم الشراباتي ، والشيخ السيد حسين الديري (٢) ، وغيرهم. وجرت في ذلك المجلس (٥٨ ب) محاورات ومذاكرات أكثرها عبارات الشيخ ابن حجر (٣) في شرح المنهاج عارضني
__________________
(١) هو نهر مدينة حلب ، ذكر ياقوت أنه يخرج من شناذر قرية على ستة أميال من دابق ، ثم يمر في رساتيق حلب ثمانية عشر ميلا إلى حلب ثم يمتد إلى قنسرين اثني عشر ميلا ، ثم إلى المرج الأحمر اثنى عشر ميلا ، ثم يغيض في أجمة هناك (معجم البلدان) وقد جفت مياهه مؤخرا.
(٢) حسين بن محمد الديري ، منسوب إلى الدير بقرب رحبة مالك ، عالم حلبي شافعي ، قرأ على أبيه ، وكان عالما أيضا ، وعرف بالصلاح ، توفي سنة ١١٧٤ ه / ١٧٦٠ م. الطباخ : أعلام النبلاء ج ٧ ص ١٤.
(٣) يريد أحمد بن علي ابن حجر الهيتمي المكي في شرحه لكتاب (منهاج الطالبين) للنووي.