باشا ، صحيح أن السويدي سبق له أن اتصل به مهديا إياه بعض قصائده ، إلا أن الأمر لم يزد يومذاك عما يدخل في نطاق صلات الأدباء بولاتهم ، أما الآن ، فإن نظرة الوالي إليه أخذت طابعا أكثر تقديرا وجدية. وما أن مضت مدة قصيرة ، حتى أمر بتعيينه مفتيا في قصبتي النجف وكربلا ، وهو منصب رفيع ، ومهم ، يومذاك ، فغادر الشيخ وأسرته بغداد ليستقر ـ فيما ظهر ـ في قصبة كربلا ، وليمضي هناك مدة ثلاثة شهور هانئة «مسرورين بقرب أولئك الأكابر ، مغبوطين بأولي الشرف الظاهر». (١)
على أن الأيام لم تمض هانئة سعيدة ، إذ سرعان ما تواردت الأنباء بتعرض إيراني جديد على العراق ، واضطر السويدي إلى مغادرة كربلا ، مع متوليها ، على عجل ، صحبة القوات الخاصة بمدينة الحلة ، وسلك طريق شفاثة الصحراوي ، ليصل ، بعد حين ، إلى الموصل التي كانت تتمتع بظرف أكثر أمنا ، بعد أن استطاعت قواها العسكرية المحلية سنة ١١٤٥ ه / ١٧٣٢ م أن تلحق هزيمة منكرة بقوة إيرانية أرادت احتلالها. (٢)
وبانتهاء الحركات العسكرية ، وتقهقر الجيوش الإيرانية ، عاد عبد الله السويدي إلى كربلاء ليتولى وظيفة فيها ، ولكنه لم يلبث أن انتقل بأسرته إلى بغداد ، ليستقر فيها بصفة نهائية.
وشهدت المدة التالية من حياته نشاطا كبيرا في مجال العلم والتعليم ، بل في توجيه الحركة الفكرية في بغداد يومذاك ، فقد تقلّد أرفع المناصب العلمية ، إذ تولى التدريس في مدرسة جامع الإمام أبي حنيفة النعمان ، (٣) فكان ثاني من درّس فيها بعد إعادة افتتاحها في منتصف القرن الثاني عشر الهجري (١٨ م) ، (٤) كما تولى التدريس أيضا في المدرسة
__________________
(١) حديقة الزوراء ١٢٤
(٢) محمد أمين بن خير الله العمري : منهل الأولياء ١ / ١٤٧ (بتحقيق سعيد الديوه جي ، الموصل ١٩٦٨) وياسين بن خير الله العمري : الدر المكنون ص ٥٨٨ (نسخة المكتبة الأهلية بباريس برقم ٤٩٤٩).
(٣) محمد خليل المرادي : سلك الدرر ٣ / ٨٥
(٤) الخطاط وليد الأعظمي : مدرسة الإمام أبي حنيفة تاريخها ، وتراجم شيوخها ومدرسيها (بغداد ١٩٨٥) ص ٧١