وذكر المرادي (١) أن السويدي وضع مؤلفاته بعد عودته إلى بغداد ، من رحلته الشهيرة التي دوّن أخبارها في «النفحة المسكية» وعليه يكون تدوينه هذه الرحلة هو أول كتبه ، أي أنه بدأ بالتأليف وقد تجاوز الخمسين من عمره ، ولا ندري مصدر المرادي في هذه الرواية ، لأننا لاحظنا أن السويدي قد صرح في إجازته العلمية إلى الشيخ عبد الرحمن الصناديقي المؤرخة في ٨ رمضان سنة ١١٥٧ ، والتي دوّن نصها في رحلته نفسها ، أنه أجازه بجميع مؤلفاته «وهي الآن أكثر من عشرة» فتكون (النفحة المسكية) من أواخر أعماله لا أولها ، وهو ما يفسر ما تبدو عليه من قوة الأسلوب ، وجزالة في اللفظ ، وبعد عن التكلف ، ودقة في الوصف ، ونضج في الاستنتاج والتعليل. (٢)
ولقد نالت هذه الرحلة اهتمام معاصري السويدي ، كما عني بها العلماء التالون ، فتعددت نسخها الخطية ، واختصرها بعضهم ، واجتزأ منها آخرون قطعا لتبدو رسائل مستقلة بذاتها.
منهجه :
١ ـ ضبطه لأسماء الأعلام الجغرافية :
أولى السويدي اهتماما واسعا لتسميات الأعلام الجغرافية ، من مواضع ، وجبال ، وأنهار ، وعيون ، مما مر به في أثناء رحلته ، فجاءت هذه الرحلة أكثر فائدة ـ من هذا الجانب في الأقل ـ من كثير من كتب الرحلات الأجنبية إلى المنطقة في الحقبة نفسها ، ففي حين كان الرحالة
__________________
(١) سلك الدر ، ج ٣ ص ٨٦
(٢) ذكر الأستاذ كراتشكوفسكي عند كلامه عن السويدي «إن المادة الجغرافية عنده شحيحة للغاية» (تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم ، القاهرة ١٩٦٥ ، ج ١ ص ٧٦١) ، وليس هذا بصحيح ، إذا علمنا أن كراتشكوفسكي ، لم ير النفحة المسكية ليحكم عليها بهذا الحكم ، وإنما اعتمد على رسالة مستقلة للسويدي وصف فيها وقائع المناظرة التي شارك فيها بحضور نادر شاه ، في النجف سنة ١١٥٦ ه / ١٧٤٣ م ، وطبعت باسم (الحجج القطعيه لاتفاق الفرق الإسلامية) وليس لهذه الرسالة من صلة بالرحلة سوى أن الأحداث التي وصفتها كانت الدافع وراء قيام السويدي برحلته.