للبلدة من شأن علمي خطير في تلك العهود. (١) ولم تعدم البلدة ، حتى في عهود التأخر التي رانت على البلاد ، تميزها برعاية الحركة العلمية ، فوردت إشارات مهمة إلى وجود «جوامع قديمة» و «معاهد علمية» (٢) فيها ، حتى عرفها بعضهم «بقرية العلماء». (٣)
إلّا أن ظروفا متنوعة قاسية أدّت إلى أن تفقد البلدة رونقها وعزّها ، فأخذ بعض أسرها بالنزوح عنها إلى بغداد. ويذكر عبد الرحمن حلمي ، وهو مؤرخ بغدادي دوري الأصل ، إن من تلك الظروف «تحول النهر عنها ، وبقاء أراضيهم لا يصعدها الماء غير صالحة للزرع والحراثة». كما يذكر أنّ ما دعا أهلها إلى هجرها «ما لحقها أيضا من مظالم الحكام» فضلا عن غارات العشائر عليها وعلى ما يليها ، إلى حد أنه «لم تبق حرفة لمحترف» (٤) ، ولا يحدّد هذا المؤرخ ، الذي وضع تاريخه في أواخر القرن الثالث عشر الهجري (١٩ م) زمن حدوث تلك الهجرة ، ومن الراجح عندنا أنها بدأت بالحدوث منذ أوائل القرن التاسع الهجري (١٥ م) واستمرت حتى القرن الثاني عشر (١٨ م). ويفهم مما ذكره الرحّالة الفرنسي تافرنييه الذي مرّ بالبلدة في منتصف القرن السابع عشر الميلادي ، أنها لم تكن في أيامه إلا «مزارا» يؤمه الناس لزيارة ضريح دفينها الإمام محمد الدوري من أجل الدعاء والنذور». (٥)
__________________
(١) كشف عن أسس هذه المدرسة في أثناء أعمال الصيانة للضريح. انظر مخططها في عطا الحديثي وهناء عبد الخالق : القباب المخروطية في العراق (بغداد ١٩٧٤) ص ٢٣.
(٢) عبد الرحمن حلمي العباسي السهرودي : كتاب في تاريخ بغداد حققناه ونشرناه بعنوان «تاريخ بيوتات بغداد في القرن الثالث عشر للهجرة (بغداد ١٩٩٧) ص ٨٧.
(٣) مجلة لغة العرب ع ١٢ (السنة ١ : ١٩١٢) ص ٤٧٠
(٤) عبد الرحمن حلمي : المصدر السابق ص ٨٧.
(٥) العراق في القرن السابع عشر كما رآه الرحالة الفرنسي تافرنييه ، ترجمة بشير فرنسيس وكور كيس عواد (بغداد ١٩٤٩) ص ٧٤