بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم يا من سهّلت لمن أمّ بيتك صعوبة المسالك ، (١) ومنحته ـ فضلا منك ـ بأن وفقته لمعاطاة جميع المناسك ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل من لبّى بالعمرة والحج ، وأمثل من أتى بنسك العج والثج ، (٢) وأنبل من سلك لعبادتك كل فج ، وأشرف الساعين لما هنالك ، وعلى آله وأصحابه الكرام البررة الخيرة العظام ، الذين رووا عنه شعائر الإسلام ، حتى انتشرت معالم النّسك في جميع الممالك ما طاف بالبيت طائف ، وما التجأ إلى الحرم خائف ، وما قصدته الرواحل في المشاتي والمصائف ، في الليال البيض ، والدياجبر الحوالك.
[أما بعد] فيقول العبد المفتقر إلى لطف مولاه الأبدي ، الراجي سبب عفوه المديد السرمدي ، أبو البركات خادم الحديث الشريف عبد الله (ا ب) المعروف بالسويدي : إنه لما تعلقت الإرادة الأزلية بأن يعفّر هذا الجاني محيّاه ، بصعيد مهابط الوحي في تيك البقاع العلية ، حركت سلاسل عزمه ، وشدّت حيازيم (٣) حزمه ، فجزمت نيته ، وصفت طويته ، فبادر بالإجابة حين حيعل (٤) داعي الغيب ، واستسهل المهالك بلا شك ولا ريب.
ولما كانت شنشنة (٥) السلف ، وهجيرى (٦) الخلف ، أن يحرّروا ما وقع لهم في أسفارهم ، ويودعوه بطون أسفارهم ، اقتفيت آثارهم الحميدة. واقتديت بآدابهم السديدة ، فجمعت مما وقع لي في السفر ، وذكرت منازل مرتبة على الأثر ، وسميته (بالنفحة المسكية في الرحلة المكية) ، وأحببت أن أقدّم قبل الشروع في المقصود فصلين ، وإن لم يكونا عن ذلك
__________________
(١) من هنا إلى آخر الصفحة أصاب نسخة أخرم وتلف ، فأكملناها من ب
(٢) العج : عجّ .. عجّا ، وعجّة ، وعجيجا ، رفع صوته وصاح ، يقال : عجّ إلى الله بالدعاء وعجّ بالتلبية في الحجّ ..
المعجم الوسيط ، ج ٢ مادة (عجّ). ، والثج : سيلان دم الهدي.
(٣) الحيزوم : وسط الصدر ، وشد الحيازم ، كناية عن الصبر.
(٤) يريد من قول القائل : حي على ، دعوة إلى النهوض بأمر.
(٥) الشنشنة : الخلق والطبيعة.
(٦) الهجيري : العادة والدأب.