[و] وكنت أنا ، والشيخ محمد بن عبد الرحمن الأحسائي ، والحاج إبراهيم الصديقي ، (١) نأكل من هذا الرغيف وتبقى منه لقيمات حتى تجمع عندي لقم كثيرة في الأسبوع. وكنت إذا لبست (٥ ب) الثوب لا أخلعه حتى يتمزق لعدم الصابون. وكان يطول شعري كثيرا فلا أجد ما أحلقه به ، وكان إذا أصابني الاحتلام أغتسل بالماء البارد أيام الشتاء البارد بالماء البارد البائت ، وكنت إذا نمت أيام الشتاء أنام بلا غطاء خشية أن أستغرق في النوم فتفوتني المطالعة. والحاصل وجدت أيام الطلب من المشاق والجوع والسهر والعري والإفلاس ما لا طاقة [لي] به لولا إسعاف الله ولطفه.
وكنت مع هذه المشاق أجد للطلب لذة عظيمة ، (٢) حتى إني ـ والله ـ إذا رأيت أبناء الملوك وأهل الرفاهية أقول في نفسي : هؤلاء لا لذة لهم في حياتهم. وبقيت على هذا الجد والاجتهاد حتى فقت أقراني ، ومن كان في الطلب قبلي بسنين ، بل ولقد فقت (٣) أكثر مشايخي حتى إن بعضهم شرع في القراءة عليّ.
ثم إني سافرت إلى الموصل عام سبع وعشرين ومائة وألف ، (٤) لتحصيل علم الحكمة والهيئة ، فبقيت في الموصل ثلاثة عشر شهرا حتى أكملت جميع الفنون. ومن منن الله تعالى عليّ أيام كنت بالموصل أنّه لما جاء الخريف ، وكان الوقت باردا ، ولم يكن عندي ما أتغطى به سوى عباءة ، وكان لي عادة (٦ أ) أني (ما) (٥) أنام في ثيابي بل أخلعها وألبس غيرها ، ولم يكن عندي غيرها إلا قباء (٦) عتيق ، فكنت ألبسه وأتغطى بالعباءة ، فخطر في بالي ليلة من الليالي كيف يكون حالي إذا دخل كانون وشباط؟ ثم إنّ الله ألهمني أن قلت :
__________________
(١) لم نقف لهما على ترجمة.
(٢) من هنا إلى آخر الصفحة غير واضح في أفأكملناها من ب.
(٣) في ب (وقفت) ولا وجه لها.
(٤) أولها ٧ كانون الثاني (يناير) ١٧١٥
(٥) ليست في ب.
(٦) رداء خارجي يتسم بالطول ، يقفل من الأمام بأزرار ، ومقور في موضع الرقبة (دوزي : المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب ترجمة أكرم فاضل ، بغداد ١٩٧١ ، ص ٢٨٤.