فخرج الإذن ذلك اليوم ، ووكلت على تدريسي في آستانة قطب العارفين ، وسلطان الموحدين ، سيدي أبي صالح محيي الدين عبد القادر الجيلي ـ قدسسره العزيز ـ ولدي النجيب (٣٧ ب) العالم الفاضل ، أبا الخير عبد الرحمن ، لا زال سعيدا ما كرّ الجديدان ، آمين.
ثم خرجنا من بغداد دار السلام قبيل الظهر ، الاثنين ، الثامن والعشرين من ربيع الأول من العام المذكور (١) ، فخرج الأولاد والمحبّون لوداعنا ، فجرت منّا العبرات ، وتلظت منا الزفرات ، وفاضت دموع العيون ، وتراكمت على الفؤاد الشجون.
وبما جرى في موقف التوديع من |
|
ألم النوى شاهدت هول الموقف |
[تل كوش]
ونزلنا تل كوش ، على أربعة فراسخ من بغداد ، وهو تلّ صغير مستطيل أحمر ، على كتف دجلة الغربي. ولعلّ نسبته إلى كوش بن كنعان. وأقمنا فيه يوم الثلاثاء ، ومنه كتبت للولد القلبي النجيب الأمجد ، حسين بك ابن الأكرم كتخدا (٢) محمد باشا. (٣) وصورة الكتاب :
سلام كروض حين باكره الحيا |
|
فأضحى نضيرا ذا رواء وذا نشر |
سلام كأنفاس النسيم تعله |
|
يمشط قضبان الرياحين والزهر |
سلام كريا الرّند جادت به الصبا |
|
على مستهام عام في لجّة الفكر |
__________________
(١) الموافق ليوم ١٠ أيار (مايو) سنة ١٧٤٤ م.
(٢) الكتخدا : لفظ فارسي مركب يعني حرفا صاحب الدار ، رب البيت ، واصطلاحا في هذا العصر : نائب الوالي ومساعده.
(٣) من المماليك الذين جلبهم والي بغداد أحمد باشا ، ونال تعليمه وتدريبه ببغداد ، وأعتقه أحمد باشا وزوّجه (خديجة خانم) بنت أخته صفية خانم ، سنة ١١٤١ ه / ١٧٢٨ م ، وبرز دوره العسكري في حملته على قبائل شمّر في نواحي الجزيرة سنة ١١٤٦ ه / ١٧٣٣ م ، ثم ولّاه أحمد باشا ولاية شهرزور برتبة (مير ميران) سنة ١١٤٩ ه / ١٧٣٦ م ، ولبث في منصبه إلى أوائل عهد سليمان باشا أبي ليلة سنة ١١٦٢ ه ، وانقطعت أخباره بعد ذلك ، وخلّف أربعة أولاد ذكور ، أحدهم حسين بك ممدوح الشاعر. محمد ثريا : سجل عثماني ج ٢ ص ١٤٩ وديوان عبد الرحمن السويدي ، تحقيقنا بمشاركة وليد الأعظمي ، ص ٦٧ بغداد ٢٠٠٠.