بكر الصّدّيق أم عبد الله بن الزبير ، فقالت لعبد الله مولاها : اذهب فانظر ما فعل الناس ، إنّ هذا اليوم يوم عصيب ، اللهمّ أمض ابني على بيّنة ، فذهب عبد الله ثم رجع ، فقال : رأيت أهل الشام قد أخذوا بأبواب المسجد ، وهم من الأبواب إلى الحجون ، فخرج أمير المؤمنين يخطر بسيفه وهو يقول :
إنّي إذا أعرف يومي أصبر |
|
إذ بعضهم يعرف ثم ينكر |
فدفعهم دفعة تراكموا منها ، فوقعوا على وجوههم وأكثر فيهم القتل ثم رجع إلى موضعه ، قالت : من رأيت معه؟ قال : معه أهل بيته ، ونفر قليل ، قالت أمّه : خذلوه ، وأحبّوا الحياة ، ولم ينظروا لدينهم ولا لأحسابهم ، ثم قامت تصلي وتدعو وتقول : اللهمّ إنّ عبد الله بن الزبير كان معظّما لحرمتك ، كريه إليه أن تعصى ، وقد جاهد فيك أعداءك ، وبذل مهجة نفسه رجاء ثوابك ، اللهمّ فلا تخيبه ، اللهمّ ارحم ذلك السجود والنحيب والظمأ في تلك الهواجر ، اللهمّ لا أقوله تزكية ، ولكن الذي أعلم وأنت أعلم به ، اللهمّ وكان برا بالوالدين ، قال : ثم جاء عبد الله بن الزبير فدخل على أمّه وعليه الدرع والمغفر ، فدخل عليها ، فسلّم ، ثم دنا فتناول يدها فقبّلها وودعها ، فقالت : هذا وداع فلا تبعد إلّا من النار ، قال ابن الزبير : نعم ، جئت مودعا لك ، إني لأرى هذا آخر يوم من الدنيا يمرّ بي ، واعلمي يا أمه أنّي إن قتلت فإنّما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي ، قالت : صدقت ، فامض على بصيرتك ، ولا تمكّن ابن أبي عقيل منك ، فادن مني أودّعك ، فدنا منها ، فعانقها ، فمسّت الدرع ، فقالت : ما هذا؟ أصنيع من يريد ما تريد ، فقال : ما لبست الدرع إلّا لأشد منك ، قالت : فإنه لا يشدّ مني بل يخالفني ، فنزعها ثم أدرج كمّه وشدّ أسفل قميصه وجبّة خزّ تحت القميص ، وأدخل أسفلها في المنطقة ، وأمّه تقول : البس ثيابك مشمرة ، قال : بلى هي على عهدك ، قالت : ثبّتك الله ، فانصرف من عندها وهو يقول :
إنّي إذا عرف يومي أصبر |
|
إذ بعضهم يعرف ثم ينكر |
ففهمت قوله ، فقالت : تصبر ، والله إن شاء الله ، أليس أبوك الزبير؟ قال : ثم لاقاهم ، فحمل عليهم حملة هزمهم ، حتى أوقفهم خارجا من الباب ، ثم حمل عليه أهل حمص ، فحمل عليهم فمثل ذلك.
قال : وأنا ابن سعد ، أنا موسى بن إسماعيل ، أنا صالح بن الوليد الرياحي ،