كان يحيى بن أكثم وهو يتولى القضاء بين أهل البصرة يختلف إلى عبد الله بن داود الخريبي يسمع منه ، فتقدم رجلان إلى يحيى بن أكثم لخصومة فتربع أحدهما بين يديه ، فأمر به أن يقام من تربعه ، وأمر أن يجلس جاثيا بين يديه ، فبلغ ذلك عبد الله بن داود ، فلما جاء يحيى ليحدثه كما كان يجيء إليه لذلك من قبل ، قال له عبد الله بن داود : متعت بك ، ـ وكانت كلمة تعرف منه ـ لو أن رجلا صلّى متربعا؟ قال : فقال له يحيى : لا بأس بذلك ، فقال له عبد الله بن داود : فحال يكون عليها بين يدي الله لا يكرهها منه ، تكره أنت أن يكون الخصم بين يديك على مثلها ، ثم ولّى ظهره ، وقال : عزم لي ألّا أحدثك ، فقام يحيى ومضى.
أخبرنا أبو العزّ بن كادش ـ إذنا ومناولة ـ وقرأ عليّ إسناده ، أنا أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا ، حدّثني أحمد بن كامل (١) ، حدّثني أبو عبد الله محمّد بن القاسم المعروف بأبي العيناء ، قال : أتيت عبد الله بن داود الخريبي ، فقال لي : ما جاء بك؟ قال : قلت : الحديث ، قال : فاذهب فتحفّظ القرآن ، قال : قلت : قد حفظت القرآن ، قال : فاقرأ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ)(٢) قال : فقرأت العشر حتى أنفذته ، قال : اذهب فتعلّم الفرائض ، قال : فقلت له : قد حفظت الصلب والجدّ والكبر ، قال : فأيها أقرب إليك ، ابن أخيك أو عمّك؟ قال : قلت : ابن أخي ، قال : ولم؟ قلت : لأني أخي ابن (٣) أبي ، وعمّي من جدّي ، قال : اذهب الآن فتعلّم العربية ، قال : قلت : قد علمتها قبل ذين ، قال : فلم قال عمر بن الخطاب حين طعن يا لله ، يا للمسلمين ، لم فتح تلك اللام وكسر هذه؟ قال : قلت : فتح تلك للدعاء ، وكسر هذه للاستنصار ، قال : لو حدثت أحدا لحدثتك (٤).
رواه هناد النسفي عن أبي الفرج بن المسلمة ، وقال : لو حدثت أحدا في سنّك لحدثتك.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الحسن علي بن أحمد ، قالا : نا وأبو
__________________
(١) من قوله إذنا إلى هنا سقط من م.
(٢) سورة يونس ، الآية : ٧١.
(٣) كذا بالأصل وم.
وفي سير أعلام النبلاء وتهذيب الكمال : «من».
(٤) الخبر في سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٥١ وتهذيب الكمال ١٠ / ١١٣.