في شمال شرق غرناطه ، وهناك يستقبلهم الأهالي استقبالا رائعا بملابسهم البيضاء وهو الزيّ التقليدي لأهل الأندلس عموما منذ أيام الأمويين.
ثم تواصل الرحلة سيرها شرقا مارّة ببعض المدن والحصون الهامة مثل بسطه Baza وبرشانه Purchena ويشير ابن الخطيب إلى أن هذه البلاد الشرقية كانت تعاني قحطا شديدا نتيجة لغارات الأعداء وسيول الأمطار التي اجتاحت أراضيها. وقد صور ابن الخطيب هذه الحالة في إطار مستملح طريف ، ومثال ذلك وصفه للدجاجة التي أهداها لهم قاضي إحدى هذه المدن فيقول : (.. وتقدّم بها أعوانه يزفّونها كالعروس فوق الرؤوس ... قلت يا قوم ، ظفرتم بقرّة العين ، فقد ذبح لكم غراب البين ..).
ثم يواصل الركب السلطاني سيره إلى أن يبلغ أقصى الحدود الشرقيّة وهي مدينة بيره Vera ، (الثغر الأقصى ، ومحل الرباط الذي أجر ساكنه لا يحصى). وقد أشار ابن الخطيب إلى قلق سكان هذا الثغر ، وترقبهم لغارات الأعداء المفاجئة ، كما أشار إلى صعوبة موقع المدينة ووعورة مسالكها وطرقها لدرجة أنهم اضطروا إلى اتخاذ دليل ماهر ليقودهم وسط الجبال والوهاد إلى الطريق الصحيح.
ثم يعود المرتحلون أدراجهم عن طريق آخر مارّين بثغر المريةAlmeria وهنا يشير ابن الخطيب إلى استقبال رجال البحرية للسلطان بملابسهم الجميلة وأبواقهم وطبولهم ، وإلى استعراض قطع الأسطول الغرناطي في الميناء.
كذلك يشير إلى استقبال رجال الجيش وكيف كانوا يحملون على أعناقهم قسي الفرنج. وفي هذه العبارة الأخيرة دليل واضح على مدى تأثّر مملكة غرناطة بالنظم الحربيّة للبلاد المسيحية المجاورة مثل قشتاله وأراجون.
هذا ومن المعروف أن مملكة غرناطه كانت تستورد أسلحة من فرنسا ولا سيّما من مدينة بوردو (برذيل) (٧) لاستخدامها إلى جانب أسلحتها الخاصّة التي كانت تصنعها في مدينة المريه بالذّات.
__________________
(٧) راجع (المقّري : نفح الطيب ج ١ ، ص ١٨٨).