وهكذا تنتهي رحلة ابن الخطيب ، ونلاحظ أن أسلوبه الكتابي فيها ، وفي كتاب نفاضة الجراب بصفة عامّة ، يختلف عن أسلوب رحلاته الأخرى ، بمعنى أنه لم يتّخذ طابع فن المقامات المعروف بالسجع والتقفية ، بل كان كلاما مرسلا جزلا في غالب الأحيان (٤٤) غير أن أسلوب ابن الخطيب ، سواء في هذا أو ذاك ، نراه بصفة عامّة بادي التكلّف ، مليئا بالصنعة اللفظية والمحسنات البديعيّة التي كانت سائدة في العالم الإسلامي في ذلك الوقت.
هذا وقبل أن نختم الكلام في هذا الموضوع ، ينبغي أن نشير إلى أن ابن الخطيب كان يزمع القيام برحلة إلى بلاد المشرق لتأدية فريضة الحج والاتصال بالأوساط العلميّة فيها. غير أن أعباء منصبه ـ كما يقول هو ـ قد حالت دون تحقيق مآربه. إلا أن ابن الخطيب قد نفّس عن هذه الرغبة المكبوتة بأن أرسل ابنه أبا الحسن علي إلى المشرق ليأخذ العلم على علماء عصره هناك ، كما أرسل كتبه (٤٥) وأمواله (٤٦) إلى القاهرة ليستفيد بها طلبة العلم هناك.
وبعد فمثل هذه الروح النشطة ، والحيويّة المتدفقة ، ثم هذه الدقّة في الملاحظة التي امتازت بها جميع أوصافه ومشاهداته ، تدلّ جميعا على أن ابن الخطيب رحّالة من الطراز الأول.
ولا يسعني في ختام هذه المقدمة إلا أن أوجّه خالص شكري إلى صديقي الأستاذ الدكتور عبد العزيز الأهواني ، إذ تفضّل بمراجعة بعض نصوص هذا الكتاب مبديا من الملاحظات والنصائح ما دلّ على غزارة علمه وسموّ أخلاقه.
|
أحمد مختار العبادي الإسكندرية يناير ١٩٥٨ |
__________________
(٤٤) المقري : نفح الطيب (ج ٨ ، ص ٣١٦)
(٤٥) ومثال ذلك كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة وكتاب روضة التعريف بالحب الشريف. والأول لا زالت توجد منه نسخة برواق المغاربة بالأزهر والثاني موجود بالمكتبة الظاهرية بدمشق راجع كذلك (المقّري : نفح الطيب ج ١٠ ، ص ١٦٤ ـ ١٦٥)
(٤٦) انظر (المقري : نفح الطيب ج ٩ ، ص ٣١١)