الحيتان ، ومحط قوافل العصير والحرير والكتّان ، وكفاها السكنى ببنيونش في فصول الزمان ، ووجود المساكن النبيهة بأرخص الأثمان ، والمدفن المرحوم غير المزحوم ، وخزانة كتب العلوم ، والآثار المنبئة عن أصالة الحلوم. إلا أنها فاغرة أفواه الجنوب للغيث المصبوب ، عرضة للرياح ذات الهبوب ، عديمة الحرث فقيرة من الحبوب ، ثغر تنبو فيه المضاجع بالجنوب. وناهيك بحسنة تعد من الذنوب فأحوال أهلها دقيقة ، وتكلّفهم ظاهر مهما عرضت وليمة أو عقيقة ، واقتصادهم لا تلتبس منه طريقة ، وأنساب نفقاتهم في تقدير الأرزاق عريقة ، فهم يمصّون البلالة مصّ المحاجم ، ويجعلون الخبز في الولائم بعدد الجماجم ، وفتنتهم ببلدهم فتنة الواجم بالبشير الهاجم ، وراعي الجديب بالمطر الساجم ، فلا يفضّلون على مدينتهم مدينة ، الشك عندي في مكّة والمدينة.
قلت فطنجة (٤٥٥) ، المدينة العاديّة ، والبقعة التي ليست بالخبيثة ولا بالرديّة إليها بالأندلس كانت نسبة المغاربة ، والكتائب المحاربة ، والرفق السائحة في الأرض الضاربة. سورها ليس بمثلوم ، وساكنها غير ملوم ، وفضلها معلوم ، ودارها ليست بدار لؤم. ميدان أفراس كبير ، ومعدن هند وذكير ، مثلث بين المنار والقالة (٤٥٦) ، وحكّماها في التفضيل فأشكل الحكم وتعذّرت المقالة ، ولم يصح البيع ولا وجبت الإقالة. هذي سماء بروج ، وهذي أزمار مروج ، وكلاهما مركب سرور وسروج ، ومتمتّع فروج ، ومطعم قديد ومروج. ديارها نبيهة ، وأحوالها بأحوال جارتها شبيهة ، لكن رملها يحشو العين بالذرور عند المرور ، ويدخل الدور ، ويفسد القدور ورياحها لا تسكن إلا في الندور ، وظلمة جوّها متسبّبة عمّا وراءها من مغرب الشموس والبدور. وعين برقانها ، أعذب عيونها ، مشهور بتوليد الهوج ، قران عند
__________________
(٤٥٥) طنجةTanger مدينة قديمة معروفة بالمغرب الأقصى ، وتقع على المحيط الأطلنطي ويفصلها عن أوروبا مضيق جبل طارق
(٤٥٦) قاله وبالإسبانيةLa Cala ، لها معان كثيرة مختلفة ، وقد يستقيم منها هنا المعنى الخاص بميناء أو خليج. راجع (Dozy : supplement ـــ II p.٦٩٢) ولعل اسم دولة البرتقال (البرتغال) جاء منها : بورتو قاله أي خليج بورتو (العاصمة وقتذاك).