إليه عن بغلته ثم زعق ثانية فإذا هو ذو لحية بيضاء حسنة ثم زعق ثالثة ورفع رأسه فإذا هو بلا لحية كهيئته الأولى ، فقبل القاضي يده وتلمذ له وبنى له زاوية حسنة ، وصحبه أيام حياته ، ثم مات الشيخ فدفن بباب الزاوية حتى يكون كل داخل إلى زيارة الشيخ يطأ قبره! وبخارج دمياط المزار المعروف بشطا (٧٠) بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة ، وهو ظاهر البركة يقصده أهل الديار المصرية ، وله أيام في السنة معلومة لذلك ، وبخارجها أيضا بين بساتينها موضع يعرف بالمنية (٧١) فيه شيخ من الفضلاء يعرف بابن النعمان قصدت زاويته وبت عنده.
وكان بدمياط أيام إقامتي بها وال يعرف بالمحسني (٧٢) من ذوي الإحسان والفضل ، بني مدرسة على شاطىء النيل بها كان نزولي في تلك الأيام وتأكدت بيني وبينه مودة.
ثم سافرت إلى مدينة فار سكور (٧٣) وهي مدينة على ساحل النيل ، والكاف الذي في اسمها مضموم ، ونزلت بخارجها ولحقني هنالك فارس وجّهه إلى الأمير المحسني ، فقال لي إن الأمير سأل عنك وعرف بسيرتك فبعث إليك بهذه النفقة ، ودفع اليّ جملة دراهم جزاه الله خيرا. ثم سافرت إلى مدينة أشمون الرّمان (٧٤) ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الشين المعجم ، ونسبت إلى الرّمان ، لكثرته بها ، ومنها يحمل إلى مصر ، وهي مدينة عتيقة كبيرة على خليج من خلج النيل ، ولها قنطرة خشب ترسو المراكب عندها ، فإذا كان العصر رفعت تلك الخشب وجازت المراكب صاعدة ومنحدرة. وبهذه البلدة قاضي القضاة ووالي الولاة (٧٥).
ثم سافرت عنها إلى مدينة سمنّود (٧٦) وهي على شاطىء النيل كثيرة المراكب حسنة
__________________
(٧٠) شطا حسب بعض الرائجات المحلية التي تتفق مع حكاية ابن دقماق تعتبر قطعة من الجنة على وجه الأرض ...
(٧١) هناك ثلاثة أمكنة تحمل هذا الاسم بضواحي دمياط على ما عند ابن دقماق ...
(٧٢) يعتبر بلبن المحسني من أعيان المماليك وكان وليّا للقاهرة ثم دمياط ، وقد أدركه أجله في رمضان عام ٧٣٧ أبريل ١٣٣٧. الدرر الكامنة ٢ ، ٢٨.
(٧٣) تقع فارسكور جنوب دمياط على الساحل الشرقي لوادي النيل وما تزال تعرف بهذا الاسم ...
(٧٤) يسميها ابن دقماق أشموم الرمان وتقع على قناة البحر الصّغير الرابطة للجناح الشرقي للنيل ببحيرة المنزلة ... في ذلك الوقت كانت عاصمة لاقليم الدّقهلية التي تعتبر المنصورة قاعدتها ...
(٧٥) والي الولاة المتحدت عنه كان هو الحاكم العام لمصر السفلى بيد أنّ مقره كان يوجد في ذلك العصر بمدينة دمنهور ... ونذكر أن القاهرة هي التي كانت تتوفر على قاض للقضاة لكل مذهب من المذاهب السنية علاوة على المحلة الكبرى سالفة الذكر ...
(٧٦) تقع سمنود جنوب المنصورة غير بعيد عن المحلة الكبيرة التي زارها قبل ...