والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام (١١٣) ولا يعبر نهر منها إلا في السفن شتاء وصيفا ، وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل فإذا مدّ أترعها ففاضت على المزارع.
ذكر الأهرام والبرابي
وهي من العجائب المذكورة على مر الدهور ، وللناس فيها كلام كثير وخوض في شأنها ، وأولية بنائها ويزعمون أن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان أخذت عن هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى ، ويسمى خنوخ وهو إدريس عليهالسلام (١١٤) وأنه أول من تكلم في الحركات الفلكية والجواهر العلوية وأول من بنى الهياكل ومجّد الله تعالى فيها وأنه أنذر الناس بالطوفان وخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي (١١٥) وصور فيها جميع الصنائع والآلات ورسم العلوم فيها لتبقى مخلدة. ويقال إن دار العلم والملك بمصر مدينة (منوف) وهي على بريد من الفسطاط (١١٦) فلما بنيت الاسكندرية انتقل الناس
__________________
(١١٣) معظم الجغرافيين العرب يتحدثون عن" سبعة فروع للنيل" وبعضهم يتحدث عن فرعين فقط ويتفق تقدير ابن بطوطة مع معاصره أبي الفداء
OMAR TOUSSOUN : MEMOIRE SUR LES ANCIENNES BRANCHES DU NILE, EPOQUE ARABE) CAIRO ٣٢٩١ (
(١١٤) ينبغي أن نرجع في الحديث عن هذه الأسماء الثلاثة : هرمس وخنوخ وإدريس أولا إلى القفطى المتوفى سنة ٦٤٦ ه ـ ف كتابه أخبار العلماء بأخبار الحكماء وهو يتضمن في بدايته حديثا عن نبي الله إدريس عليهالسلام المسمى هرمس وخنوخ ... وانه هو الذي جمع طلبة العلم وعلمهم العلوم ... وكان مسكنه صعيد مصر فبنى هياكل الأهرام ومدائن البرابي ، ولما خاف ذهاب العلم بالطوفان بني البرابي وصوّر فيها العلوم برسوم لمن بعده ... ثم ثانيا إلى الموسوعة الإسلامية (مادة هرم ج أهرام) حيث نقف هنا على ملخص لما كتبه المقريزي ونسمع عن محاولة الخليفة المامون لفتح الهرم الاكبر كما سيقوله ابن بطوطة ونعرف عن الأساطير التي يرويها القبط عن الأهرام ...
(١١٥) اسم يعطى من لدن المصريين للمعابد الفرعونية ، والكلمة : من أصل قبطي جمع بربة ، ويقال في الاصطلاح المصري الصعيدي للمرأة التي لا تخلّف : (شقّي بربّه!) يعني زوري معبدا واخترقيه من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق للغرب ... وقد سعدت بزيارة دراسية لكل هذه الأماكن في يناير ١٩٨٣ رفقة صاحب السمو الملكي الأميرة لالة مريم كريمة الملك الحسن الثاني ...
(١١٦) منوف (MEMPHUS) أما (الفسطاط) فهي المدينة العربية الأولى ، وقد أحرقها القادة السياسيون عام ٥٦٤ ـ ١١٦٩ خوفا من أن يستولي عليه الفرنج ... وتلك عادة جارية : وكلمة البريد من أصل لاتيني (VEREDUS) تعني أربعة فراسخ والأربعة فراسخ تكون نحوا من واحد وعشرين كيلوميترا ... ابن جبير قدم لنا وصفا لهذه الأهرامات من غير أن ينسى الصورة الغريبة من الحجر التي كانت تعرف ، كما يقول ابن جبير ، بأبي الأهوال (SPHINIX) بدائع الزهور لابن اياس ، الهيأة العامة للكتاب ١٩٨٢ ص ٢٣٢.