قاضي القضاة الحنفية الامام العالم شمس الدين الحريري (١٣٧) ، وكان شديد السطوة لا تأخذه في الله لومة لائم ، وكانت الأمراء تخافه ، ولقد ذكر لي أن الملك الناصر قال يوما لجلسائه : إني لا أخاف من أحد الا من شمس الدين الحريري : ومنهم قاضي القضاة الحنبلية ولا أعرفه الآن إلا أنه كان يدعى بعز الدين (١٣٨).
حكاية [الملك الناصر يقعد للمظالم]
كان الملك الناصر رحمهالله يقعد للنظر في المظالم ورفع قصص المشتكين كل يوم اثنين وخميس ، ويقعد القضاة الأربعة عن يساره وتقرأ القصص بين يديه ، ويعين من يسأل صاحب القصة عنها ، وقد سلك مولانا أمير المؤمنين ، ناصر الدين ، أيده الله في ذلك مسلكا لم يسبق إليه ، ولا مزيد في العدل والتواضع عليه ، وهو سؤاله بذاته الكريمة ، لكل متظلم وعرضه بين يديه ، مكرمة أبي الله أن يخص بها سواه ، ادام الله عليه أيامه. وكان رسم القضاة المذكورين أن يكون أعلاهم منزلة في الجلوس قاضي الشافعية ثم قاضي الحنفية ثم قاضي المالكية ثم قاضي الحنبلية ، فلما توفى شمس الدين الحريري وولّى مكانه برهان الدين بن عبد الحق الحنفي (١٣٩) أشار الأمراء على الملك الناصر بأن يكون مجلس المالكي فوقه ،
__________________
(١٣٧) محمد بن عثمان بن أبي الحسن بن عبد الوهاب الانصاري ، القاضي شمس الدّين بن صفي الدين الحريري الحنفي كان والده يتجر في الحرير ... ولى قضاء دمشق ودرس بالظاهرية وغيرها ثم تولى القضاء بالديار المصرية ... كان حريصا على تخليص الحقوق وفصل القضا ، لا يقبل لأحد هدية!! .. إلا أنه كان ينتقد عليه البأو : اتخذ في منزله امرأة سماها النقيبة تتلقاه من الباب قائلة : سيدنا قاضي القضاة ... وتبالغ في نعوته إلى أن يصل إلى مكانه ، ويأمر كل من في الدّار من النساء بالوقوف! وكان يقول لزوجته : أكرمي النقيبة فإنها تعظّم بعلك!! له قصص في تعامله مع كتاب النصاري ... أدركه أجله في جمادى الأخيرة ٧٢٨ ـ أبريل ١٣٢٨. ـ الدرر ٤ ، ١٥٨.
(١٣٨) لقد كان قاضي الحنابلة من عام ٧١٢ ـ ١٣١٢ إلى عام ٧٣٨ ـ ١٣٣٧ هو أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي تقيّ الدين القاضي ، ولى أبوه قضاء الحنابلة بالديار المصرية عام ٦٩٩ إلى عام ٧٣٨ حيث صرف عن القضاء بسبب ولده الذي كان يتعاطى للإرتشاء!! وكان أعظم القائمين في ذلك الأمير جنكلى بن البابا سالف الذكر ... توفي إثر صرفه عن القضاء ... ـ الدرر الكامنة ١ ، ٢٣٩.
(١٣٩) ابراهيم بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن يوسف ابن ابراهيم الحنفي ، برهان الدين بن كمال الدين المشهور بابن عبد الحق كان سبط ضياء الدين عبد الحق الحنبلي فاشتهر بالنسبة إليه ... ولى القضاء بمصر بعد الحريري عشر سنين ثم تحول إلى دمشق سنة ٧٣٨ ... انتهت إليه رئاسة المذهب ، توفي بدمشق في ذي الحجة ٧٤٤ ـ مايه ١٣٤٤. ـ الدرر الكامنةI ر ٤٨.