وأربعين (٢٦٦) ، من تعظيم أهل دمشق لهذا المسجد ما يعجب منه وهو أن ملك الأمراء نايب السلطان أرغون (٢٦٧) شاه أمر مناديا ينادي بدمشق أن يصوم الناس ثلاثة أيام ولا يطبخ أحد بالسوق ما يؤكل نهارا ، وأكثر الناس بها إنما يأكلون الطعام الذي يصنع بالسوق ، فصام الناس ثلاثة أيام متوالية كان آخرها يوم الخميس ، ثم اجتمع الأمراء والشرفاء والقضاة وساير الطبقات على اختلافها في الجامع حتى غص بهم وباتوا ليلة الجمعة ما بين مصل وذاكر وداع ، ثم صلوا الصبح وخرجوا جميعا على أقدامهم وبأيديهم المصاحف ، والأمراء حفاة وخرج جميع أهل البلد ذكورا وإناثا صغارا وكبارا ، وخرج اليهود بتوراتهم ، والنصارى بإنجيلهم ، ومعهم النساء والولدان وجميعهم باكون متضرعون متوسلون إلى الله بكتبه وأنبيائه ، وقصدوا مسجد الأقدام وأقاموا به في تضرعهم إلى قرب الزوال وعادوا إلى البلد فصلوا الجمعة وخفف الله تعالى عنهم فانتهى عدد الموتى إلى ألفين في اليوم الواحد ، وقد انتهى عددهم بالقاهرة ومصر إلى أربعة وعشرين ألفا في يوم واحد.
وبالباب الشرقي منارة بيضاء يقال أنها التي ينزل عيسى عليهالسلام عندها حسبما ورد في صحيح مسلم (٢٦٨).
ذكر أرباض دمشق
وتدور بدمشق من جهاتها ما عدا الشرقية أرباض فسيحة الساحات ، دواخلها أملح من داخل دمشق لأجل الضيق الذي في سككها ، وبالجهة الشمالية منها ربض الصالحية (٢٦٩) وهي مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه ، وفيها مسجد جامع ومارستان ، وبها
__________________
(٢٦٦) يلاحظ هنا واضحا أن ابن بطوطة أقحم هنا في هذه الزيارة الأولى ما سيقع له أثناء عودته من رحلته ٧٤٧ ـ ١٣٤٧ ويلاحظ كذلك في المقابل أنه أهمل ذكر تزوجه في دمشق بسيدة حفيدة لأحد المكناسيين منذ الزيارة الأولى ولم يذكر ذلك إلا عند الزيارة الثانية!!
(٢٦٧) أرغون شاه الناصري حظي عند الملك الناصر برتبة عالية وتولى منصب الاستذارية (الحجابة) ثم نيابة صفد ، ثم نيابة حلب ثم دمشق فتمكن وعظم قدره ، ولم يزل كذلك حتى جاء الأمر بامساكه وذبحه في شهر ربيع الأول ٧٥٠ ـ ١٣٤٩ ، الدرر ١ ، ٣٧٣ ـ الدارس في تاريخ المدارس ، ج ٢ ، ص ٢٣٤.
(٢٦٨) رواه مسلم في الفتن ورواه أبو داود في الملاحم والترمذي في الفتن وابن ماجة كذلك في الفتن.
(٢٦٩) تحدث القلقشندي عن (الصالحية) التي تقع عند منحدر جبل قاسيون وتهيمن على المدينة وبيوتها ومدارسها وأسواقها. وهي تحتضن رفات محيي الدين ابن عربي الملقب بالشيخ الأكبر (ت ٦٣٩) كما تحتضن ورفات ابن مالك صاحب الألفية (ت ٦٧٢) وقد ترحّم عليه ابن عثمان المكناسي ...