نتناول عشاءنا ، حتى رأينا ساعيا معه ثلاثة أعراب راكبين كلهم بغالا أرسلوا يحملون الأخبار إلى حلب وغيرها من مدن الامبراطورية بالاستيلاء على بغداد. فوقفوا عند البئرين لإرواء دوابهم. فتقدم إليهم الكروان باشي وغيره من الرجال البارزين في القافلة ببعض الفواكه المجففة والرمان. وقد أفادنا هؤلاء السعاة بأن الجمال التي حملت بأمتعة السلطان وحاشيته قد نالها التعب.
ومن المؤكد أن ضباطه سيضعون أيديهم على جمالنا إذا ما التقوا بنا ، ونصحونا بألا ندنو من عانة ، وإلا أوقفنا أميرها. وبناء على ما أبلغونا به ، تحركنا في الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل ، وظللنا متجهين جنوبا ، حتى صرنا في وسط البادية. وبعد ثمانية أيام ، حللنا في بقعة ذات ثلاث آبار وثلاثة أو أربعة بيوت. فمكثنا هناك يومين كاملين للتمتع بهذا المنهل العذب. وما كدنا نأخذ طريقنا ثانية ، حتى جاءنا ثلاثون فارسا مسلحا قادمين من لدن أحد الأمراء ليبلغوا الكروان باشي بوجوب إيقاف قافلته. فلبثنا عند ذاك أياما ثلاثة منتظرين قدوم هذا الأمير بفارغ الصبر. فلمّا حلّ بيننا ، أهدى إليه الكروان باشي قطعة حريرية ، ونصف قطعة من قماش قرمزي ، وقدرين كبيرتين من النحاس. ولكن مع أن هذه القدور مما لا يمكن أن يرفضها أمير عربي ، لخلو مطبخه من مثيلها ، لم تبد على محياه علائم الرضا بهذه الهدية ، بل طلب منا ما يزيد على أربعمائة كراون (١). لقد جهدنا سبعة أو ثمانية أيام متمسكين بنقودنا. ولكن عبثا كان ذلك ، فإننا اضطررنا أخيرا إلى جمع هذا المبلغ بتقسيطه بيننا ، كل بما في طاقته ، فلما دفع إليه ، قدم للكروان باشي الپلاو (٢) والعسل والتمر. وعند مبارحته المكان أعطى القافلة خمس أو ست أغنام مطبوخة.
وبعد أن فارقنا هذا الأمير العربي بثلاثة ايام ، مررنا ببئرين ، كان بالقرب
__________________
(١) يريد به الليرة الفرنسية التي كانت متداولة يومذاك ، وهو نقد يساوي أربعة شلنات وستة بنسات أي ٢٢٥ فلسا عراقيا.
(٢) الپلاو ، لفظة تركية بمعنى الرز المطبوخ وما زال بعض الناس في جهات من العراق يستعمل هذه اللفظة.