منهما أبنية قديمة منهارة من الآجر. لقد كان ماء هاتين البئرين شديد المرارة حتى أن الجمال عافته ، ومع ذلك ملأنا قربنا منه ، ظانين أننا سنزيل عنه مرارته بغليه. ولكن خاب تقديرنا لأن الأمر كان على العكس من ذلك.
ومن هاتين البئرين اللتين لا يرجى من مائهما خير ، تمادى بنا السير ستة أيام دون أن نلقي بماء. فإذا أضفنا إلى ذلك الأيام الثلاثة السابقة ، كان مجموع ما مرّ على الجمال من الأيام التي لم تذق خلالها الماء تسعة. وفي نهاية هذه الأيام التسعة سرنا في أرض كثيرة التلال امتدادها ثلاثة فراسخ. وعند حضيض هذه التلال رأينا ثلاث برك ولما كانت الجمال تتنسم رائحة الماء من مسافة نصف فرسخ ، أخذت تسارع في سيرها إليها. وما إن انتهت إلى البرك حتى تزاحمت عليها وتدافعت ، فتكدر الماء من جراء ذلك وتلوث. ولهذا قرّ رأي الكروان باشي على المكوث في هذا الموطن يومين أو ثلاثة أيام ، ريثما يصفو الماء. وقد انتهزنا تلك الفرصة لطبخ الرز لأن هناك أحراشا كثيرة نامية حول البرك. وزاد في ابتهاج الناس هناك ان الفرصة واتتهم لصنع الخبز ، وقد رأيتهم يخبزونه بالوجه التالي : يحفرون أولا حفرة مستديرة في الأرض ، عمقها نصف قدم ، ومحيطها قدمان أو ثلاث ، ويملأونها بالحطب ، ثم يوقدون هذا الحطب ويغطون الحفرة بالطابوق أو الأحجار ، إلى أن تحمر ، وكانوا حينذاك يحضرون العجين فوق سفرة وهي عبارة عن قطعة مستديرة من النحاس ، يتخذون منها في سائر الأوقات مائدة للطعام. ثم يرفعون الرماد والطابوق وبعد أن ينظفوا الحفرة جيدا يضعون عجينهم فيها ، ثم يغطون الحفرة ثانية بالطابوق أو الأحجار الحارة ، ويدعونها على هذه الحال حتى الصباح. إن الخبز الذي يخبز بهذا الوجه ، لا يزيد ثخنه على أصبعين وكبره بقدر الكعك العادي ، وهو إلى ذلك لذيذ الطعم جدا.
وفي أثناء مكوث القافلة عند البرك الثلاث ، قضيت أوقاتي بصيد الأرانب والحجلان التي تكثر في هذه البقاع. وفي الليلة التي سبقت مغادرتنا المكان ، ملأنا قربنا ثانية ، وكان الماء قد صفا وطاب وهذا الماء يتجمع من الأمطار التي تهطل على هذه المنخفضات. ولكنه يجف في فصل الصيف.