والآن بعد ما رأى الكروان باشي أننا سرنا تسعة أيام دون أن نجد في أثنائها ماء ، رغب عن السفر جنوبا ، وصمم على أن يأخذ طريقه نحو الغرب ، فإن لم يصادف ماء في خلال يومين أو ثلاثة ، فإنه يغير طريقه لا محالة إلى الشمال الشرقي أي الشرق الشتائي ، رغبة منه في الوصول إلى نهر الفرات.
وبعد يومين من تغييرنا الطريق ، اجتزنا واديا بين تلين صغيرين ، صادفنا فيه بركة ماء ، كان على مقربة منها أعرابيان مع كل منهما امرأته وأطفاله ، وهما يرعيان قطيعين من الماعز والغنم ، وأخبرانا أنهما ذاهبان إلى الموصل. وقد أرشدانا إلى أحسن السبل التي تتوفر فيها المياه. وفي الواقع ، إننا من ذلك المكان حتى البصرة ، لم نكن نسير ثلاثة أيام حتى نجد ما يكفينا من الماء.
وبعد خمسة أيام من تركنا هذين الأعرابيين ، اكتشفنا قصرا كبيرا مشيدا كله بالآجر (١). وفي هذا احتمال على أن البقعة كانت تزرع في الماضي وأن الآجر قد حرق بالتبن. إن في هذا القصر ثلاث رحاب واسعة ، في كل منها أبنية لطيفة ذات طابقين من الأقواس الواحد يعلو الآخر. ومع أن هذه البناية كانت لا تزال قائمة ، فإننا لم نجد من يسكن فيها. هذا وإن الأعراب الذين يجهلون الآثار القديمة لم يكن بوسعهم أن يخبرونا عمن بناها. وأمام باب هذا القصر بركة لها قناة قاعها مرصوف بالطابوق وكذلك عقاداتها التي تستوي والأرض. ويعتقد الأعراب أن هذه القناة كانت تأتي بالماء من الفرات ، ولكن هذا بعيد الاحتمال بالنظر إلى أن الفرات يبعد عن هذه البقعة نيفا وعشرين فرسخا.
ومن ذلك القصر ، واصلنا سيرنا نحو الشمال الشرقي. وبعد أن تمادى بنا السير خمسة أيام انتهينا إلى بلدة صغيرة كانت تدعى سابقا الكوفة والآن تعرف بمشهد علي (٢). حيث إن عليا صهر النبي محمد صلىاللهعليهوسلم يرقد هناك في جامع فسيح. ويرى حول الضريح أربعة شمعدانات مضاءة ، وقناديل فوق الرأس مدلاة من السقف.
__________________
(١) انظر الملحق رقم (١).
(٢) هذا وهم. والصواب أن مشهد علي هو النجف التي تبعد عن الكوفة ١٢ كيلومترا.