ومع أن الفرس يكرمون عليا تكريما بالغا ، فهم قلّما يحجون إلى ضريحه ، والسبب في ذلك هو أن الطريق التي يسلكونها قاصدين زيارة الضريح ، لا بد أن تمر ببغداد ، وهي تحت حكم السلطان العثماني. وعلى كل حاج حينذاك أن يدفع رسما قدره ثمانية قروش ، وهو أمر لم يكن ملك فارس ليرتاح إليه. إن الشاه عباس (١) كان يرى من المهانة أن تدفع رعيته مالا إلى الترك ، فعمد إلى صرفهم عن هذه الزيارة بغيرها ، ذلك أنه عمر مزارا في «مشهد» على الطريق من تبريز إلى قندهار. ثم إن الملوك الذين خلفوه كانوا على غراره في عدم السماح لرعاياهم بزيارة الإمام عليّ ، إذ يعتبرون دفع الجزية للسلطان امتهانا لكرامتهم ، وهذا هو السبب في أن جامع الكوفة لم يعد يتقدم إليه الفرس بالنذور. وعدا عن القناديل والشمعدانات التي تضاء ليل نهار ، فإن فيه اثنين من القراء يتلوان القرآن. وليس في هذه البلدة غير ثلاث أو أربع آبار ذات ماء آسن ، وقناة جافة (٢) يقولون إن الشاه عباس مدها ليجلب فيها ماء الفرات إلى البلدة لأجل الحجاج والزوار. أما الطعام فلم نجد منه في هذه البلدة غير التمر والعنب واللوز ، وهذه يبيعونها بأسعار عالية. وعندما يؤمها الزوار ، وقليل ما هم ، يوزع الشيخ عليهم عند احتياجهم إلى الطعام الرز المطبوخ بالماء والملح وشيء من الدهن يصب فوقه. ونظرا لعدم وجود مرعى للمواشي ، فلا يتوفر عندهم الطعام.
وعلى مسيرة يومين من مدينة علي ، التقينا في الساعة التاسعة صباحا ، بشابين من أسياد العرب ، يلقبان بسلطان ، وكانا أخوين ، أحدهما في سن السابعة عشرة ، والآخر في الثالثة عشرة. ولما نصبنا خيامنا نصبا خيامهما بجوارنا ، وكانت من قماش قرمزي لطيف جدا ، وكانت بين هذه الخيم خيمة مغطاة بالقطيفة الارجوانية ، حاشيتها موشاة بشريط حريري جميل. وما كاد السيدان يستقران في خيامهما حتى ذهبنا أنا والكروان باشي لرؤيتهما. ولما
__________________
(١) هو الشاه عباس الكبير ، ابن محمد خدا بندا ، أحد ملوك إيران الصفويين دام حكمه من سنة ٩٩٣ إلى ١٠٣٧ ه (١٥٨٥ ـ ١٦٢٨ م).
(٢) راجع الملحق رقم ٢ بصدد ماء النجف.