اللازمة. فهي إن وجدت شفاه بها شفاء تاما. فأراد الأمير أخذ الجراح معه ، وأعطى له خمسمائة كراون لشراء العقاقير. ولكنني أفهمته أن الدواء لا يكلف مثل هذا المبلغ ، وأن الجراح إذا عثر على الأدوية المطلوبة ، فأنا مستعد لدفع ثمنها من عندي. فاقتنع الأمير بهذا الكلام ، وبعث بأحد كبار رجاله إلى البصرة ليعود مع الجراح بعد أن يشتري الأدوية ، ولبث الأمير أياما ثلاثة ينتظر قدومه. لكننا بعد أن تظاهرنا بالتفتيش عما نطلب من أقصى المدينة إلى أقصاها (إذ كنا نبحث عن هذه الادوية في المحلات التي نعرف أنها خالية منها) أعدنا رسول الأمير إليه ، معتذرين عن عدم إيجاد العقاقير المطلوبة ، ومن ثم عن عدم عودة الجراح إليه لزوال الفائدة من حضوره.
وهي الوسيلة الوحيدة الناجحة التي فكرنا أنها تساعدنا على الإفلات منه بمهارة. وفي الأيام التي أعقبت مفارقتنا الأمير العربي ، كنا في أرض خالية من السكان. في اليوم التالي وهو اليوم الخامس والستون ، والأخير من بقائنا في البادية ، صادفنا خرائب بعض البيوت على جانبي الطريق ، مما جعلنا نفترض بأن مدينة كبيرة كانت تقوم سابقا في هذه البقعة (١)
وأخيرا بلغنا البصرة. وسأصفها في موطن آخر من حديث رحلتي.
وفي أثناء مكوثي في البصرة ، الذي دام نحو ثلاثة أسابيع وصل إليها سفير من عظيم المغول ، كان قد ذهب من القسطنطينية إلى بغداد لتهنئة السلطان على فتحه تلك المدينة (٢) وأخذها في مثل هذا الوقت الوجيز. وقد أهدى الامبراطور له ثلاثة من جياد الخيل ، وساعة صغيرة علبتها ملبسة بالماس والياقوت. إلا أن السفير لعدم معرفته ماهية هذه الآلة الصغيرة ، ملأها من الجهة المعاكسة فكسر لولبها. ولما جاء إلى البصرة استدعى الرهبان
__________________
(١) يريد بها خرائب مدينة البصرة القديمة. فهي مما ينطبق عليها قوله إنها «مدينة كبيرة».
(٢) أي فتح مدينة بغداد وسيرد الكلام على ذلك في غير هذا المكان من الرحلة.