الماء بواسطة الجربان. ويربط ملاحو الكلك أنفسهم ومجاذيفهم ربطا وثيقا بمرابط مقوسة بهيئة نصف دائرة ، ليحموا أنفسهم من قوة الماء. وفي الحقيقة ، إن هذا السد هو الذي يجعل من دجلة نهرا غير صالح للملاحة.
ثم جاء الكلك إلى المكان الذي كنا ننتظره فيه ، فوسقنا أحمالنا ، ورسا حيث كنا من ضفة النهر. ومن عادة الأعراب أنهم إذا شعروا بنوم التجار ، يقطعون حبال الكلك ويتركونه يبتعد عن حافة النهر ، فيتبعونه سباحة ، ويسرقون منه ما راق لهم.
وفي اليوم السابع عشر ، بعد تجذيف ثلاث ساعات ، التقينا بنهر الزاب الذي يصب في دجلة من جهة بلاد كلدية. وعلى نصف فرسخ من النهر حصن (١) من الآجر على تل صغير ، مهجور فأدى ذلك إلى خرابه. مكثنا فوق الماء في هذا اليوم اثنتي عشرة ساعة ، ثم رسونا في حويجة ، وأوقدنا نارا عظيمة ، وأطلقنا بنادقنا غير مرة لترويع الأسود (٢).
وفي اليوم الثامن عشر ، لبثنا في الكلك ثماني عشرة ساعة ، ورسونا على ضفة النهر ، عند الجهة الآشورية. وفي المساء جلب لنا الأعراب لبنا وزبدة ، لقد جاءوا إلينا سابحين من ضفة النهر الأخرى وتحت بطونهم جربان وأخرى فوق رؤوسهم فيها ما جلبوه لنا ، وهم لا يتقاضون عنه نقودا بل تبغا (٣) أو كعكا أو فلفلا.
__________________
(١) لعل الحصن المشار إليه ، من بقايا «السن» وهي مدينة داثرة كانت على مصب الزاب الأسفل.
(٢) كان الاسد ، في الأزمنة القديمة ، كثير الوجود في جهات العراق. ويؤخذ من الآثار المستخرجة من خرائب المدن الأشورية ، أن ملوك أشور كانوا من أمهر صيادي الأسود وأشجعهم. والظاهر ان الأسود كانت في زمن تافرنييه ترتاد أراضي العراق. على أنها أخذت تقل بمر السنين حتى أننا لا نسمع بوجودها اليوم إلا في النادر جدا.
(٣) في هذا إشارة إلى استعمال التبغ في العراق قبل ثلاثمائة سنة ، وهو خبر طريف. وللأستاذ يعقوب سركيس بحث مطوّل في هذا الشأن بعنوان : «التتن في العراق : وجوده وزرعه ، قبل نيف وثلاثمائة عام» وقد نشر في مجلة غرفة تجارة بغداد سنة ١٩٤١.