وفي اليوم التاسع عشر ، بعد أن جرى بنا الكلك أربع ساعات ، التقينا بنهر يقال له ألتون صو (١) ، أي نهر الذهب وهو الذي ينبع من جبال ماذي ، وقد سرت بهذا النهر ثلاثة أيام في إيابي من تبريز إلى حلب ، عابرا دجلة عند ميسيا (٢) (Mesia). ولماء هذا النهر مذاق عذب ، وهو يصب في دجلة عند الجهة الآشورية. وعلى امتداد دجلة ، من الجهة ذاتها ، عدد كبير من عيون القار (٣) وغيرها من المياه الحارة ذات الرائحة الكبريتية. وفي ذلك اليوم لم نر غير أعراب وأكراد يسيرون بمحاذاة ضفتي النهر : الكرد في جهة ما بين النهرين ، والعرب في الجهة الآشورية. لقد كانوا في حرب ، وكان كل من الفريقين يسير بنظام تام : الشبان يحملون الأقواس والنشاشيب وبعض البنادق وعدة حراب نصفية ، ومن ورائهم نساؤهم وفتياتهم وأطفالهم ، مع أبقارهم وأغنامهم وإبلهم ، ويسير في المؤخرة المسنون. وكان كل من الأكراد والأعراب يرسلون فرسانهم للاستطلاع على المرتفعات ، فإن رأى أحد الطرفين المجال مساعدا للهجوم ، سبحت جموعه في الماء وهاجموا أعدءاهم. أما نحن ، فلما كنا لا نثق بمثل هؤلاء الناس ، جذفنا مدة تسع عشرة ساعة لنتجنبهم.
وفي اليوم العشرين ، بقينا إحدى عشرة ساعة فوق دجلة ، ورسونا عند بلدة يقال لها تكريت ، في جهة ما بين النهرين. في هذه البلدة قلعة نصف خربة ، ومع ذلك لا تزال ترى فيها بعض غرف أنيقة. ومن الجهة الشمالية والشرقية يقوم النهر مقام خندق ، أما من جهتيها الغربية والجنوبية فيحدق بها خندق اصطناعي مرصوف بالحجارة. ويقول العرب إنها كانت قديما أقوى موضع في كل ما بين النهرين. ويشرف عليها تلان غير بعيدين عنها. وكان يسكن النصارى (٤) على مسافة نصف فرسخ من المدينة حيث إن خرائب كنيسة
__________________
(١) يريد به الزاب الصغير.
(٢) لا نعرف شيئا عن هذا الموقع.
(٣) راجع الملحق رقم (١٤).
(٤) للنصرانية في تكريت تاريخ حافل ، وما زال بين آثارها بقايا كنائس وديارات. إلا أننا لا نعلم بوجه التحقيق متى اندثرت النصرانية من هذه المدينة. وتقول دائرة المعارف