بابل القديمة (١) وسأتكلم فيما يلي على بغداد كما هي اليوم :
تقع بغداد على نهر دجلة ، وفي ضفة جانب فارس (٢) ، ويفصلها هذا النهر عما بين النهرين. وهي مبنية على خط عرض ١٥ ٣٣. ويروي المؤرخون العرب ، أن أحد الخلفاء المسمى بالمنصور ، شيدها سنة ١٤٥ للهجرة ، الموافقة لسنة ٧٦٢ للميلاد أو حواليها. وهم يسمونها أيضا دار السلام (Dar ـ al ـ Sani). ويذهب بعضهم إلى أنها اشتقت اسمها من دير كان في مرج حيث تقوم المدينة الآن. ولذلك سميت بغداد ، أي بستان موقوفة أو موهوبة (٣). وعندما كان بعض الفعلة يحفرون في أسس خان ، قبل نحو من أربعين سنة ، وجدوا جثة مسجاة كما يسجى الأسقف ، وبجانبه الكافور والطيب. وفي المكان نفسه ظهرت عدة قلال من بيوت دينية ، مما يترجح معه القول إن الموضع الذي بنيت فيه بغداد ، كان قديما ديرا كبيرا وبيوتا عديدة يسكنها النصارى. ويبلغ طول المدينة نحوا من ١٥٠٠ خطوة ، وعرضها ٧٠٠ أو ٨٠٠ خطوة ، ولا يتعدى محيطها ثلاثة أميال. أما سورها فمبني بالآجر ، ويقطع هذا السور في بعض النقاط أبراج كبيرة كالمتاريس نصب فوق جميعها زهاء ستين مدفعا ، ولكن ليس بين هذه المدافع ما يحمل أكثر من خمس أو ست قنابر. ويكتنف السور خندق عريض ، عمقه نحو خمس أو ست قامات. وللمدينة أربعة أبواب ، ثلاثة منها في جهة البر ، وواحد مطل على النهر (٤) ، ومنه يعبر النهر على جسر ذي ثلاثة وثلاثين قاربا ، بين القارب والآخر مسافة تبلغ عرض قارب واحد. والقلعة في داخل المدينة ، بالقرب من الباب المسمى بباب المعظم (el ـ Maazam) ، وهو في شمالي المدينة. ويطل قسم من القلعة على النهر ، ويضمها سور بعض أقسامه مسطح. إن هذا السور مقوى بأبراج
__________________
(١) تبعد بابل عن بغداد ٥٤ ميلا.
(٢) يريد المؤلف بضفة جانب فارس ، ضفة دجلة الشرقية ، أي ضفة النهر اليسرى.
ولكن الصواب أن بغداد تقع على كلتا ضفتي دجلة ، اليمنى واليسرى.
(٣) انظر الملحق رقم (١٧).
(٤) انظر الملحق رقم (١٨).