بوسعنا أن نرفض الطلب. ولما وصلنا إلى المدينة في اليوم الثاني ، رأينا الأمير ذاهبا إلى الجامع ممتطيا صهوة جواد مطهم ، يحف به رهط من الناس وجميعهم مشاة ، مع كل منهم خنجر كبير مثبت في حزامه. فلما رأيناه ترجلنا ووقفنا بحذاء الدور وسلمنا عليه حين مروره بنا. وما إن وقع نظره على دليلنا حتى هدده ببقر بطنه قائلا : أيها الكلب! ستنال مني جزاء ذلك ، وأعلمك درسا كيف تسفر الغرباء قبل أن أراهم. ثم قال خذهم إلى مقر الحاكم حتى أعود من الجامع. فلما عاد من الجامع وأخذ مكانه في ردهة فسيحة ، أرسل بطلبنا مع دليلنا الذي هدده مرة ثانية لخروجه بنا من المدينة دون علم منه. غير أن الحاكم استعطف الأمير واسترضاه ، ثم أمر فجيء لنا بقهوة ، وطلب فتح الخرجة التي نحملها على الخيول وراءنا لعل فيها ما يطيب له. لقد كان في خرجي قطعتان من نسيج قالقوط ملونتان تلوينا بديعا ، وغطاءان للفراش ، ومنديلان من نسيج قالقوط ، ومحبرتان فارسيتان مزوقتان بالميناء اليابانية ، وسكينتان بزخارف دمشقية ، إحداهما مطعمة بالذهب والأخرى بالفضة. فكل هذه الأشياء أحبها وحملني على إعطائها له. ولم يجد شيئا في خرج الأسباني غير ملابس عتيقة. ولكن بعد ذلك علمنا أن عند الأسباني بعض قطع الماس ، فعاقبه القنصل الفرنسي في حلب ، بأن يدفع لي نصف قيمة ما أعطيته للأمير في عانة.
واكتفى الأمير بما أخذه مني. وأمر بأن نزود بالطعام لنا ولخيلنا ، إلا أننا ، نظرا لتزودنا بذلك من ذي قبل ، لم نأخذ غير ثلاث أو أربع حفنات من التمر الفاخر ، لنبدي له أننا لم نرفض عطفه.
وعلى الدليل بين عانة ومشهد الرحبة ، أن يعنى بوجه خاص بتنظيم مراحل سفرنا ، وذلك بأن نأتي مثلا إلى الآبار عند انبثاق الفجر ، حذرا من الأعراب الذين يأتون إليها عند طلوع الشمس ، فيتأذى المسافرون.
وقد رأيت في مشهد الرحبة ، أجمل فتاة وقع نظري عليها في حياتي ، كان ذلك حينما أعطيت أعرابيا قرشا ليشتري لي به خبزا. وبذهابي لرؤية ما إذا كان قد خبز ، وجدت الفتاة تضعه في التنور. ولأنها كانت وحيدة في الدار