وصحبتك ... الطريق وفي البادية وأنت تقول : كأنّي لقيتك مرّة!.
وحكي أنّ بعض الوزراء بنيسابور كان حاضرا ، وكان يدخل عليه المشايخ للزيارة وأراد أن يدخل الأستاذ أبو علي فقيل ، له : إذا دخل عليك ، فينبغي أن تقوم له وتكرمه فإنّه شيخ الوقت ، فأبى الوزير أن يقوم وقال : لم تجر العادة للوزراء بالقيام للرعايا ، واستمرّ على هذا فحين دخل عليه الأستاذ ووقع بصر الوزير عليه ،
قام من غير قصد واستقبله خطوات حافيا وأكرمه ، فلما خرج من عنده قال أصحاب الوزير : كنا معك في أن تقوم له إذا دخل عليك فتأبى فالآن استقبلته وزدت على ما كنا نسأله منك؟! فقال : لما وقع بصري عليه لم أتمالك أن أقوم وأبصره واستقبلته من غير اختيار منّي ، فهيبته [٢ ب] أقامتني إليه.
ومن مبادئ أمره أنه ما كان له شيء من الدنيا ولا يشتغل بشيء منه ، فاتفق أنّه مات بعض المياسير وأوصى له بعشرة دراهم فلما جيء بها إليه قال لبعض أصحابه : إيش أصنع بهذه الدراهم فقيل له : إنه ينبغي أن يدفع إلى فلان يتجر فيها فقال : وما الذي يمكن أن يربح على هذا القدر؟ ثم قال : سبحان من لا يعطيني عشرة دراهم إلّا بأن يموت أحد من عبيده [ظ] فيوصي لي بها.
ثم لما بنيت له المدرسة سمعت أن [ظ] واحدا حضره وأراد أن يقف عليها ضيعة ، فأبى الأستاذ القبول فألحّ عليه وكتب قبالة ثم بعد ذلك جاءه وقت الخراج بعض أعوان الديوان وقيل له : ينبغي أن تجيب عن خراج الضيعة فأخرج القبالة ومزّقها ورد الضيعة وقال : ما لنا وللخراج وما لنا وكيل يجيب عنّا وترك [ظ] ذلك.
ولما توفّي ـ قدس الله روحه بعد أن ولد له الابن إسماعيل وكان في آخر [عمر] ه وتبجح بذلك ، وكانت وفاته في ذي الحجة سنة خمس وأربع مئة (١) ـ رأى الصالحون والكبار له وفي حقّه كثيرا من الرؤيا الحسنة المبشرة وذكروا ذلك.
ولمّا كان الرجل مأخوذا عن أحواله وعن مراسم الترتيب لم يتفرغ إلى سماع كثير من الحديث والاشتغال بالرواية ، والّذي نقل عنه أنّه سمع صحيح البخاري ـ كلّه أو بعضه والله أعلم ـ من أبي علي الشبوي بمرو ، ومن أبي الهيثم محمد بن المكي الكشميهني جميعا نازلا ، وسمع منه الإمام زين
__________________
(١) ن : أربع وخمس مئة ، وقال في ترجمة عبد الخالق بن علي تحت الرقم ٢٠٣٣ ؛ توفي يوم الأحد لثمان بقين من ذي الحجة سنة خمس وأربع مئة قريبا من وفاة الأستاذ أبي علي الدقاق.