لم يدعهم للبقاء طويلا في مكان واحد ، وجعلهم دائما مرافقين له في رحلاته ليكسبهم الخبرة ؛ من أجل القتال ومساعدته في أعماله الأخرى.
وعند غروب الشمس اخترقنا حزام الأشجار الخضراء على ضفاف نهر (جغين) ووجدنا مكانا مناسبا للمخيم في الناحية الغربية للنهر ، وبكل حماس اندفع الرجال لإقامة الخيام ، وكان واضحا من عملهم أنهم لم يسبق لأي منهم أن قام بهذا العمل ، إذ أنني لاحظت ثلاثة منهم يمسكون وتدا واحدا ، أحدهم يرفعه ، والآخر يربطه بوتد آخر ويطرقانه بشدة ، والثالث يمسك بنهاية الحبل لشده. على أي حال ، قام «جني» الصبي الصغير بتسوية الأمر لتثبيت الخيام ، خاصة أنه يريد أن يبرهن بأنه يستحق ثناء أبيه وتوصيته.
وبعد العشاء توجهنا للنوم على زمجرة الجمل «إبليس العجوز» للرد على آخر ما يصله من الأصوات البعيدة ، وعلى موسيقى طنطنة البعوض المتداخلة مع صوت تحرك كتل الرمال من المنحدرات نحو قاع النهر.
وفي الصباح الباكر بدأت أسراب طيور الحجل التي قدمت من الغابات المحيطة ترتوي من مياه النهر .. وتوجهت مع «جلال» للصيد وعدنا بعد ساعتين بثعلب واحد ، وقط بري ، وابن آوى ، وثلاثة من طير الحجل الأسود ، وأشهد أنني لم أكن موفقا في ذلك اليوم ، فقد كنت مضطربا برغم أنني صوّبت كثيرا دون جدوى ، وكانت الغابة في بعض مناطقها كثيفة الأشجار ، ولم أسمع سوى صوت الطلقات والطيور تهرب بعيدا ، وقام «جلال» باصطياد حجلين بيده فهو له خبرة في ذلك ؛ إذ أن هذه الطيور بعد
__________________
في مكة ، فوافته المنية في «الإحساء» عند ما كان عائدا من مقابلة الأمير السعودي قائد الحركة السلفية في الدرعية في نجد ودفن بها.