ولا يخفى أنّ جعل معمّر قبورهم كالمعين على بناء بيت المقدس ، دالّ على أنّ تعظيم مراقدهم تعظيم لشعائر الله سبحانه.
ونقل نحو ذلك ـ أيضاً ـ في حديثين معتبرين ، نقل أحدهما الوزير السعيد بسندٍ ، وثانيهما بسند آخر (١٠٥).
والسيرة القطعية ـ من قاطبة المسلمين ـ المستمرّة ، والإجماع ، يغنيان عن ذكر الأحاديث الدالّة على الجواز.
وما أعجب قول المفتين : «أمّا البناء على القبور فممنوع إجماعاً»!
فإنّ مذهب الوهّابيّة ـ وهم فئة قليلة بالنسبة إلى سائر المسلمين ـ لم يظهر إلاّ قريباً من قرن واحد ، ولا يتفوّه أحد من المسلمين ـ سوى الوهّابيّة ـ بحرمة البناء ، فأين الإجماع المدّعى؟!
ودعوى ورود الأحاديث الصحيحة على المنع ـ لو ثبت ـ غير مجدٍ لإثبات الحرمة؛ لأنّ أخبار الاحاد لا تنهض لدفع السيرة والإجماع القطعي ، مع أنّ أصل الدعوى ممنوع جدّاً.
فأنّ مثل رواية جابر : «نهى رسول الله أن تجصّص القبور ، وأن يكتب عليها ، وأن يبنى عليها ، وأن توطأ» (١٠٦) لا تدلّ على التحريم؛ لعدم حرمة الكتابة على القبور ووطئها ، فذلك من أقوى القرائن على أنّ النهي في الرواية غير دالٍّ على الحرمة ، ولا نمنع الكراهة في غير قبور مخصوصة.
مع أنّ الظاهر من قوله : « يبنى عليها » إحداث بناء كالجدار على
__________________
(١٠٥) فرحة الغريّ : ٧٨ ، وعنه في بحار الأنوار ١٠٠ / ١٢١ ح ٢٣ و ٢٤.
(١٠٦) سنن الترمذي ٣ / ٣٦٨ ح ١٠٥٢.