وهذا ظاهر لكلّ من يعطي الكلام حقّه من النظر ، فلا دلالة في الحديث إلاّ على أحد أمرين :
أوّلهما : تسطيح القبور وجعلها متساوية برفع سنامها ، ولا نظر في الحديث إلى علوّها ، ولا تشبّث فيه بلفظ (المشرف) فإنّ الشرف إن ذكرَ أنّه بمعنى العلوّ ، فقد ذكر أنّه من البعير سنامه ، كما في القاموس وغيره ، (١١٠) فيكون معنى ( المشرف ) في الحديث هو : القبر ذو السنام ، ومعنى تسويته : هدم سنامه.
وثانيهما : أنّ يكون المراد : القبور التي يجعل لها شرف من جوانب سطحها ، والمراد من تسويته أن تهدم شرفه ويجعل مسطّحاً أجمّ ، كما في حديث ابن عبّاس : أمرنا أن نبنيّ المدائن شرفاً والمساجد جمّاً (١١١).
وعلى كلّ حال ، فلا يمكن في اللغة والاستعمال أن يراد من التسوية في الحديث أن يساوى القبر مع الأرض ، بل لا بدً أن يراد منه أحد المعنيين المذكورين.
وأيضاً : كيف يكون المراد مساواة القبر مع الأرض ، مع أنّ سيرة المسلمين المتسلسلة على رفع القبور عن الأرض؟!
وفي آخر كتاب الجنائز من جامع البخاري ، مسنداً عن سفيان التمًار ، أنًه رأى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسنّماً(١١٢).
__________________
(١١٠) انظر مادّة (شرف) في : القاموس المحيط ٣ / ١٥٧ ، تهذيب اللغة ١١ / ٣٤١ ، لسان العرب ٩ / ١٧١.
(١١١) غريب الحديث ٤ / ٢٢٥ ، الفائق ١ / ٢٣٤ ، لسان العرب ٩ / ١٧١؛ والجمّ : هي التي لا شرف لها.
(١١٢) صحيح البخاري ٢ / ١٢٨.