الجبل أراد أن يخرج نيّاته إلى حيّز العمل فيجعل بيت الدين مقاما أهلا بسموّ دولته. وكان أوّل ما باشر به أحياء مواتها فغرس في أراضيها اشجار التوت والفاكهة ، وما لبث أن رأى افتقار القرية إلى المياه إذ لم يكن لها سوى ماء قليل من منهل يقال له عين المعجن يشرب منها أهلها فيزدحمون عليها. وكان في دار الأمير من الأعوان المقيمين في بابه ٠٠٠ ، ٣ شخص ، إضافة إلى الخيل والدواب فما كان الماء ليكفي شربهم ، هذا فضلا عن الوافدين إلى الأمير من زوّار. وفي محاولة لسدّ هذا الخلل ، انتدب الأمير بشير رجلا من أهل دمشق إسمه خليل عطيّة كان مشهورا باشغال المياه وجرّها ، وبعد أن درس عطيّة ينابيع المنطقة وقع اختياره على ينبوع غزير بارد الماء غاية في الجودة والعذوبة يعرف بنبع القاعة ، تصبّ مياهه في نهر الصفا ، موقعه تحت عين زحلتا على مسافة ثلث ساعات من بيت الدين ، وبينما يذكر المؤرّخون أن تلك المسافة لم تكن لتثبّط عزم الأمير ، فحفر له المهندسون قناة في منعطف الجبل وفي أمّ الصخر حتى أتوا بها بعد ثلاث سنوات إلى بيت الدين ، يروي التقليد حكاية" أخوت شانيه" الشهيرة التي تقول بأنّ الأمير قد كلّف أبناء الرعيّة سخرة أن يحفر كلّ منهم على طول قامته جزءا من القناة ، وذلك عملا بمشورة" أخوت شانيه." المهمّ أنّ المياه التي وصلت إلى بيت الدين أحيت غرسها وغيّرت هيئتها إذ حوّلتها إلى جنّة غنّاء ، ما جعل الأمير يفكّر ببناء قصر يجاري قصور الملوك ببهائه ورونقه ، وهكذا فابتداء من سنة ١٨٠٨ ، بدأ يشيّد في بتدّين قصوره الشهيرة ، التي بلغ عددها خمسة ، أبرزها القصر الكبير الذي جعله مركزا لسكنه ولحكمه ، وبنى قصرا ثانيا لابنه خليل ، وثالثا لابنه قاسم ، ورابعا لابنه أمين ، وهو القصر المعروف ب" المصيف" ، أو المقصف. أمّا الخامس فخصّ به زوجته ، وهو المعروف بقصر الستّ ، وهو اليوم مقرّ لكرسي المطرانيّة المارونيّة. وقد اشترك في تصميم وتنفيذ بناء هذه