ولهذا تعتبر كاشفةً عنه كشف المعلول عن العلّة.
وأمّا السيرة العقلائية فمردّها ـ كما عرفنا ـ إلى ميلٍ عامٍّ يوجد عند العقلاء نحو سلوكٍ معيّن ، لا كنتيجةٍ لبيانٍ شرعي ، بل نتيجة العوامل والمؤثّرات الاخرى التي تتكيَّف وفقاً لها ميول العقلاء وتصرّفاتهم ، ولأجل هذا لا يقتصر الميل العامّ الذي تعبِّر عنه السيرة العقلائية على نطاق المتديّنين خاصّة ؛ لأنّ الدّين لم يكن من عوامل تكوين هذا الميل.
وبهذا يتّضح أنّ السيرة العقلائية لا تكشف عن البيان الشرعيّ كشف المعلول عن العلّة ، وإنّما تدلّ على الحكم الشرعيِّ عن طريق دلالة التقرير بالتقريب التالي ، وهو : أنّ الميل الموجود عند العقلاء نحو سلوكٍ معيّنٍ يعتبر قوّةً دافعةً لهم نحو ممارسة ذلك السلوك ، فإذا سكتت الشريعة عن ذلك الميل ولم يردع المعصوم عن السيرة مع معاصرته لها كشف ذلك عن الرضا بذلك السلوك وإمضائه شرعاً.
ومثال ذلك : سكوت الشريعة عن الميل العامِّ عند العقلاء نحو الأخذ بظهور كلام المتكلّم ، وعدم ردع المعصومين عن ذلك ، فإنّه يدلّ على أنّ الشريعة تُقِرّ هذه الطريقة في فهم الكلام ، وتوافق على اعتبار الظهور حجّة ، وإلاّ لمنعت الشريعة عن الانسياق مع ذلك الميل العامّ ، وردعت عنه في نطاقها الشرعي.
وبهذا يمكن أن نستدلّ على حجّية الظهور بالسيرة العقلائية ، إضافةً إلى استدلالنا سابقاً (١) عليها بسيرة المتشرّعة المعاصرين للرسول والأ ئمّة عليهمالسلام.
__________________
(١) في بحث الدليل الشرعي اللفظي تحت عنوان حجيّة الظهور